حريق على خشبة لبنانية.. "دوّار الشمس" الذي يُخبّر عن أحوالنا

حريق على خشبة لبنانية.. "دوّار الشمس" الذي يُخبّر عن أحوالنا

12 يوليو 2023
واجهة المسرح قبل احتراقه
+ الخط -

فضاءٌ ثقافي جديد يُعلَن احتراقُه في لبنان، البلد الذي بدأت الأنشطة الفنّية فيه تشهد بوادر انتعاش طفيف مؤخّراً، رُغم ما يُعانيه منذ سنوات، من انهيارٍ على المستويَين السياسي والاقتصادي. ففي الوقت الذي بدأت تتحضّر فيه فرقة "مسرح الدُّمى اللبناني: خيال"، بإشراف المُخرج كريم دكروب، لأداء عرضها "شتّي يا دنيا صيصان"، حيث كان مُقرَّراً تقديمُه على خشبة "مسرح دوّار الشمس" في بيروت، ابتداءً من السادس من تموز/ يوليو الجاري، حدَث ما هو خارج الحسبان، و"شتَّت الدنيا سواد ونار بمدخل المسرح"، كما أعلنتِ الفرقة عبر حسابها على فيسبوك.

الحريق الذي اندلع فجر الخميس الماضي، أتى على أجزاء كبيرة من المسرح الواقع عند مُستديرة الطيّونة. ولئِن كانت قد تضرّرت الأجزاء الخارجية منه، كالمدخل ومنطقة قَطْع التذاكر والمكتبة والكافيتريا، في الطابقين الأرضي والسفلي، فإنّ حال الأجزاء الداخلية، حيث خشبة العرض الرئيسية، بقي أقلّ ضَرراً. وهذا ما يجعل مهمّة الترميم والإصلاح، لاحقاً، أسهل وأخفّ تكلفة. كما تمكّنَ الدفاع المدني بعدها، من إخماد الحريق، من دون أيّ إصاباتٍ بشَريّة، خاصة أنّ الليلة السابقة (أمسية الأربعاء 5 تموز/ يوليو)، شهدتْ إقبالاً من الجمهور، لمُشاهدة عرضٍ مسرحيٍّ حمَل عنوان "لحالها".

شهدت خشبته أعمالاً تمثّل قضايا الناس وهمومهم الاجتماعية

بعد عودة الهدوء "النسبي" إلى المكان، أطلّت الممثّلة المسرحية برناديت حديب، رئيسة "جمعية شمس لشباب المسرح والسينما"، بفيديو عبر حسابها على فيسبوك، من مدخل البناء الرئيسي، وقد اتّشحت جدرانُه بالسَّواد. اعتذرت حديب، وبنبرة فيها الكثير من الأسى، للجمهور عن إلغاء العروض المُقرَّرة في الفترة المُقبلة، مُعلنةً أنّ المسرح غير مؤهّل حالياً لاستقبال الزوّار، مع إشارتها إلى حاجة المؤسّسة إلى الدعم والمساعدة، حتى تتمكّن من العودة إلى فَتْح أبوابها بالشكل اللائق في المستقبل.

الصورة
مدخل المسرح - القسم الثقافي
مدخل المسرح

هذا ولم يمضِ على الحادثة كثيرٌ من الوقت، حتى بدأ تفاعُل الفنّانين والكتّاب والمَسرحيِّين اللبنانيِّين مع الحدث، خاصة أنّ "دوّار الشمس" يُشكِّل، إلى جانب مسرحَي "المونو" و"المدينة"، آخر ما تبقّى للناس والمهتمّين في العاصمة اللبنانية من فضاءات جادّة، يُمكن أن نَصِفَ وضعها بأنها تُقاوم من أجل أن تستمرّ وكي لا تقفل، أو تتحوّل إلى منصّات لمشاريع أُخرى، ليس لها علاقة بالثقافة أو الفنون. ومن بين تلك التفاعُلات، كتب الشاعر والمسرحي يحيى جابر: "لا ينقص خشبتنا المصلوبة سوى حريق 'مسرح دوّار الشمس'. شي كتير دراما حياتنا المسرحية". أما الممثّل اللبناني فادي أبي سمرا، فكتب: "النار أتت على فسحة الأمل، والأمل بعودة 'مسرح دوّار الشمس' إلى الحياة".

بدورها أعلنت المسرحية نضال الأشقر عن فتح أبواب "مسرح المدينة"، لتؤدّي فرقة "مسرح الدُّمى اللبناني" عروضها عليه، وهي عروضٌ مخصّصة للاحتفال بمرور ثلاثين عاماً على تأسيس "خيال". كذلك أعلنَ "مسرح المونو" أنّه سيحتضن عروضاً بديلة للفرقة في أمسيات: الثالث عشر ("شتّي يا دنيا صيصان")، والثامن عشر ("شو صار بكفر منخار")، والعشرين ("يلّا ينام مرجان")، من الشهر الجاري. أمّا المسرحية حنان الحاج علي، فأعلنت أن ريع العرض الأول من عملها "جوغينغ" في "مهرجان ألمادا المسرحي" بالبرتغال، سيعود إلى "دوّار الشمس"، ولصانعي المسرح في لبنان.

مبادراتٌ لاحتضان عروض بديلة وأُخرى لدعم المسرح مادّياً

ورغم أنّ التحقيقات في الحادثة لم تُعلِن - حتّى الآن - عن ثُبوت تورّط فاعلين مُباشرين فيها، أو عدمه، إلّا أنّ جوّ الحرائق والانفجارات المُخيِّم على البلاد منذ ثلاث سنوات، وما يتلوه عادةً من قُدرة المُرتكِبِين على الفَرار من المُحاسبة، جعل الكثير من المُتفاعلين عبر وسائل التواصُل الاجتماعي، يُصنّف القضية على أنّ هناك مَن هو "مسؤول" عنها، لا من باب التخصيص، بل من قبيل المسؤولية العامّة عن مرافق البلد، ثقافية وغير ثقافية، والتي تفتقر إلى فرص التطوير.

كما لم يصدر - حتّى الآن - عن وزارة الثقافة اللبنانية أيّ تصريح حول الأمر، وكأنّ شؤون المسرح في البلاد منوطة فقط بالدفاع المدني، هذا الجهاز هو من يتولّى إطفاء الحرائق وتقييم الأضرار. ومن المفارقات التي استحضرتها هذه الحادثة المؤسفة، أنّ بلدية بيروت لم تتردّد، في مثل هذه الأيام من العام الماضي، من تشميع "مسرح دوّار الشمس"، بحجّة عدم موافقة المولّدة الكهربائية ـ التي تغذّي المَبنى ـ للمواصفات البيئية، قبل أن تعود عن ذلك القرار التعسُّفي، بعد حملة مناصرة ساهم فيها مثقّفون وكتّابٌ مختلفون، وتكفُّل أحد الأشخاص بشراء "فلتر" للمولّدة، على حسابه الشخصي!

الصورة
واجهة المسرح - القسم الثقافي
واجهة المسرح بعد احتراقه

لُبنانياً، تُذكّر حادثة "دوّار الشمس"، اليوم، بما ألمّ بمسرحٍ آخر في بيروت، وهو "قصر البيكاديلّي" في الحمرا، والذي خرج عن العمل بسبب حريق أيضاً دمّر أجزاءً واسعة منه، عام 2000، قبل أن تُشاع نيّة ترميمه وافتتاحه مُجدّداً أواخر العام الماضي، على يد مليونير يرعَى إنتاج مُسلسلات بوليسية! مع الفارق، طبعاً، أنّ "دوّار الشمس"، لم يكن مسرحاً محصوراً بالنُّخبة المالية، يوماً، بل إنّ خشبتَه شهدت مؤخّراً عروضاً تضامنت فيها صانعاتُها وصانعوها، مع قضايا تُمثِّل هموم العدالة الاجتماعية كقضية العاملات المنزليّات، وما يتعرّضن لهُ من عنف وتمييز، في البلد المأزوم ماليّاً (على سبيل المثال لا الحصر، "الثقب الأسود: قضية تغييب 200 ألف عاملة"، لهاشم عدنان)، وكذلك احتضن "دوّار الشمس" عروضاً مناهضة للخطاب العنصري، بأشكاله وطبَعاته المَحلَّوية الضَّيقة، وأعمالاً تدعم قضية اللّاجئين (سوريّين وغير سوريّين)، وسوى ذلك من أنشطة ومهرجانات مثل "مهرجان ربيع بيروت"، الذي أُقيم على هذه الخشبة مطلع الشهر الماضي.

أمّا عربياً، فتراجيديّة النيران التي رأيناها تُذكّرنا بحال المسرح عموماً في بلادنا، وتُعيدنا أوّلاً إلى أحمد جواد، المسرحي المغربي الذي أضرم النار في نفسه، على الطريقة البوعزيزية، أمام وزارة الثقافة المغربية، في صبيحة "اليوم العالمي للمسرح" (27 آذار/ مارس الماضي)، احتجاجاً على تردِّي وضعه المعيشي، والمنْعِ والتَّضييق اللذين طاولا نشاطَه المسرحي. كما تُعيدنا، أيضاً، إلى "مسرح الهلال" (تأسّس عام 1918) في شارع الرشيد ببغداد، الذي ما زال يخسر جُزءاً تلْوَ الآخَر من عمارته، حتى أُعلِن الأسبوع الماضي عن انهيارٍ شبه كامل لمبناه التراثي.

موقف
التحديثات الحية

المساهمون