بيرت موريزو: تأرجحٌ بين التقاليد والحداثة

بيرت موريزو: تأرجحٌ بين التقاليد والحداثة

19 ابريل 2023
"أوجين مانيه في جزيرة وايت"، 1885 (من المعرض)
+ الخط -

في عام 1874، عرضت بيرت موريزو أُولى لوحاتها في "صالون باريس"، إلى جانب أعمال كلود مونيه وإدغار دُغا وبيير أوغست رُنوار، وغيرهم من الانطباعيّين؛ حيث استطاعت أن تحظى باعتراف مبكّر نسبياً وهي في الثالثة والثلاثين، رغم أنّه رُفض طلب التحاقها بمدرسة الفنون في عصرٍ كان تعليم الفنّ مقتصراً على الرجال في معاهد الفنون الرسمية.

بحُكم انتمائها إلى الطبقة البرجوازية، تمّكّنت الفنّانة الفرنسية (1841 - 1895)، من تعلُّم الرسم على حسابها الخاص في استديوهات الفنّانين الخاصّة آنذاك، وكرّست - وسط الفوضى المحيطة بها وعدم قدرتها على إيجاد مرسم خاصّ بها في بيت الأهل وبيت الزوجية لاحقاً - جانباً من وقتها وجهدها لرسم النساء والأطفال والعائلة من حولها؛ كما كانت تتسلّل من منزلها فجراً لترسم مناظر طبيعية.

الصورة
من المعرض
من المعرض

بدأت موريزو الرسم في السادسة عشرة، ولكنّها تخلّصت تقريباً من جميع الأعمال الفنّية التي أنتجتها قبل أن تبلغ الثامنة والعشرين، وفقاً لما يُخبرنا إيّاه القائمون على معرض "بيرت موريزو: تشكيل الانطباعية"، الذي افتُتح في نهاية آذار/ مارس الماضي في "غاليري دولويتش بيكتشرز" بلندن، ويتواصل حتى العاشر من أيلول/ سبتمبر المقبل.

وقعت موريزو تحت تأثير زمنها؛ حيث تأرجح فنُّها بين التقاليد والحداثة، غير أنّها واصلت التجريب حتى قدّمت أسلوبها الخاص في مراحل متأخّرة من حياتها، حين بدأت تتجلّى خصوصيتُها كفنّانة انطباعية، مع خطوط واضحة وتعقيد أكثر في الأشكال، وتعامُل مختلف مع انعكاسات الضوء.

الصورة
من المعرض
من المعرض

اجتهادُ الفنّانة وتميُّزها دفع إدوار مانيه إلى الإشادة بها وبشقيقتها إدما أيضاً، وكان ذلك عام 1868، مُعبّراً عن خشيته من تجاهُل لوحاتهما بسبب هيمنة المؤسَّسة الذكورية على سوق الفنّ آنذاك، إلّا أنّ إدما تخلّت عن الفن بعد زواجها، وبقيت بيرت ترسم حتى رحيلها في منتصف الخمسينيات من عمرها، بسبب إصابتها بالتهاب رئوي.

نبوءة مانيه تحقّقت في ظروف استثنائية؛ حيث تزّوجت موريزو من شقيقه أوجين، وأنجبت منه ابنتها الوحيدة جولي، لتبدأ مرحلةً جديدة في تجربتها بظهور طفلات في كلّ لوحاتها؛ فتيات يلعبن فوق العشب، وعلى الشاطئ، ويمسكن بدمى، ويسرن بعيداً عن منزلهن، ويراقبن والدتهنّ وهي تروي قصّة قبل النوم، أو يتابعن الخادمة وهي تخيط ملابسهن.

الصورة
من المعرض
من المعرض

يضيء المعرض المواضيع الأساسية التي تناولتها الفنّانة في لوحاتها، بدءاً من مشاهد مقتطعة من الحياة اليومية والبورتريهات والأزياء والديكورات الداخلية، مع تركيزها على انفعالات ومشاعر الشخصيات التي ترسمها، في محاولة لنقل تعبيرات أكثر دقّة وخصوصية للمرأة من تلك التي يهتمّ بها زملاؤها من الفنّانين الرجال.

سعت موريزو إلى تنفيذ لوحات "أكثر نقاءً"، كما يصفها النقّاد، وأكثر إشراقاً وسطوعاً بألوانها المستخدمة، مع ضربات فرشاة جريئة تعكس منظورها المختلف للانطباعية المهتمّة بالتفاصيل التي تربط المشاهد والشخصيات بالواقع، بدلاً من تقديمها بصورة نمطية.

يضمّ المعرض أكثر من أربعين عملاً تُمثّل جزءاً بسيطاً من لوحاتها ورسوماتها التحضيرية، حيث كانت غزيرة الإنتاج، ولديها إيمان بأهمّية رسم المرأة في القرن التاسع عشر على نحو مفارق للنظرة السائدة التي تهتمّ بجمالها ورقّتها. إذ تبدو نساء موريزو واثقات من أنفسهن على تنوّع ما يقمن به من أفعال؛ سواء القراءة، أو الرسم، أو العزف على البيانو، أو سقي النباتات، أو حديثهن في الجلسات الخاصّة، أو في ارتداء الملابس أو الاستعداد للنوم.

سَرقت بيرت موريزو الوقت لترسم الطبيعة قبل أن يحلّ الصباح ويراها المارّة في فعلٍ لم يكن مألوفاً في زمنها، وكانت مضطرّة لتجاوُز الرفض والإصرار على الانخراط في مشهد يهيمن عليه الرجل، وتترك أثراً يُظهره المعرض بوضوح عبر مقارنة أعمالها بلوحات سبقت زمانها وتعود إلى القرن الثامن عشر.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون