باسل المقوسي.. أن أرسم رائحة الشهداء

باسل المقوسي.. أن أرسم رائحة الشهداء

12 مارس 2024
الفنّان باسل المقوسي يُدرّب أطفالاً على الرسم قبل أيام في مدينة رفح
+ الخط -

في اليوم الأول من أيام العدوان الإبادي الصهيوني، نشّر التشكيلي والفوتوغرافيّ الغزّي باسل المقوسي على صفحته في "فيسبوك"، رسماً لوجهين ملثّمين بالأبيض والأسود أحدهما يبكي، وخلفهما مآذن وظلال رمادية خلّفتها الحرب، وكتَب: "أحاول أن أرسم رائحة الشهداء.. رائحتك تملأ المكان".

منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وصور الشهداء من أقارب وأصدقاء تملأ صفحة الفنان الذي كان يسكن شمال القطاع ليهجّر منه في محطة نزوح أولى إلى "محترف شبابيك للفن المعاصر" بمدينة غزة، ومنه إلى منزل صديقه في مدينة خان يونس، ثم يحطّ رحاله في حيّ تل السلطان بمدينة رفح.

الصورة
من أعمال باسل المقوسي
من أعمال باسل المقوسي

وتوالت الرسومات لرائحة الشهيد، حيث تظهر في رسم ثالث نُشر في اليوم الثاني للعدوان، حشود بشرية لا يتّضح منها سوى أنها تسير في جنائز وترفع علم فلسطين، ودوّن إلى جوارها "إن سألوك عن فلسطين قل لهُم: بها شهيد يُسعفه شهيد يصوّره شهيد يُودّعه شهيد يُصلي عليه شهيد".

واستعاد المقوسي الذي فقَد العديد من أعماله جرّاء القصف الإسرائيلي، على صفحته الفيسبوكية أيضاً رسومات من مجموعته "مجانين الحرب" (2008). وفي واحدة منها، يرسم أمّاً تضع بديها على وجه ابنها الشهيد بينما تواصل طائرات العدو هجوم القاتل على المكان.

الصورة
من أعمال باسل المقوسي
من أعمال باسل المقوسي

طائرات الموت تتكرّر في رسوم لاحقة وسط مشهد تدمير البيوت والمساجد والكنائس وجميع عناصر الحياة، ويوثّق في لوحة رسماً لـ"مسجد السوسي" في مخيّم الشاطيء الذي كان يسُتهدف حينها للمرّة الثانية، كما تحضر في رسم صور لأسرة يعانق أفرادُها بعضهم البعض وسط اشتداد القصف، إلى جانب عبارة "إمّا نحن أو نحن".

الصورة
من أعمال باسل المقوسي
من أعمال باسل المقوسي

تشكّل الحرب المشهد الأساسي لتجربة المقوسي الذي وُلد عام 1971، وأنهى سنة 1995 دورة الفنون الجميلة في "جمعية الشبّان المسيحية" بغزّة، ثم شارك بين عامَي 2000 و2003 في إقامات فنّية بـ"مؤسسة خالد شومان- دارة الفنون" في عمّان، تحت إشراف الفنان السوري الراحل مروان قصاب باشي. 

حروب متشابهة على غزّة، مع اختلاف حجم القتل والتدمير والتجويع، كما يُظهر عمل بتقنية الطباعة الرقمية نفّذه الفنان في عام 2014، موثّقاً العدوان في تلك السنة هي صورة امرأة تنقل أطفالها بين الدمار والرُّكام تحت القصف وإطلاق النار، مع تعليق منه يشير إلى أنها الصورة المفضّلة له، حيث الأمّ مثل القطة وهي تنقل صغارها وقت الخطر.

الصورة
من أعمال باسل المقوسي
من أعمال باسل المقوسي

ويستكمل توثيق الحرب بصور الفنّانين الشهداء ومنهم علي نسمان وهبة وزقوت ومحمد سامي قريقع وغيرهم، والأطفال الذين يفقدون ذويهم أو يُجوّعون أو يُجبرون على مغادرة بيوتهم الدافئة والنزوح، مع منشوراته التي تلفت إلى المقتلة المستمرّة منذ أكثر من خمسة أشهر، كما ينشر أعمالاً لفنّانين فلسطينيّين يُصوّرون الحدث بأساليبهم المختلفة.

شهداء يتصدّرون الرسومات، والموت بوطأته الثقيلة، لكنّ صوتاً لا يزال يُقارعه، حيث ينشر المقوسي أطفالاً غزيّين يرسمون ويرسمون، ويُواصل هو توثيق الكارثة إذ نشر أمس رسمه لفتىً مُغمض العينَين ومُكبّل اليدين ووثاقهما أسفل ظهره، مع عبارة يُكرّرها إلى جوار كثير من أعماله، تقول: "شظايا.. إيَّاكَ أن تألفَ المشهد، إيّاك أن يصبحوا عندكَ أرقاماً. أرسم لأحاول البقاء إنساناً مستيقظاً، وحسّاساً، وأن لا تزيل الحرب كرامتي وإنسانيتي".
 

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون