الفن النيجيري: حداثة تتبنّى أدوات الغرب وتقاومها

الفن النيجيري: حداثة تتبنّى أدوات الغرب وتقاومها

20 يونيو 2021
بروس أونوبراكبيا في مشغله بمدينة لاغوس (Getty)
+ الخط -

في اللحظة التي استقّلت فيها نيجيريا عام 1960، برزت طبقة سياسية جديدة ورثت جهاز الدولة الاستعمارية ووضعت خطط التنمية وفق رؤية غربية صرفة، لكنها اصطدمت بعد سنوات قليلة مع هشاشة المجتمع الناشئ بسبب الصراعات القبلية والعرقية التي تلاعب بها المحتل البريطاني لعقود، وأعاق تقدّم واحدة من أغنى البلدان الأفريقية.

عبّر المثقفون النيجيريون عن تحرّرهم الوطني بأدوات الغرب ولغته، وتحضر هنا كتابات تشنوا أتشيبي وول سوينكا، وكذلك الفنانون الذين مثّلوا تلك العلاقة المعقّدة والمتناقضة بين رؤيتهم لحداثة أنتجتها المؤسسة التعليمية التي أنشأها المستعمر وبين محاولاتهم لبناء نموذج حداثتهم الخاص، كما يبرزها معرض "أساتذة الفن النيجيري" الذي تقيمه "منصة غوغل للفنون والثقافة" افتراضياً.

أولى التجارب التي يقدّمها المعرض للفنان بين أونونو (1917 – 1994)، وهو من أوائل الرسامين والنحاتين النيجيريين الذين لاقت أعمالهم رواجاً في الولايات المتحدة وأوروبا بداية الخمسينيات، ورغم احتكاكه المبكّر بالفنانين الغربيين منذ دراسته في لندن، إلا أنه استشعر التمييز العنصري في الأوساط الأكاديمية ورد فعلها تجاه تنظيراته حول معنى "أن تكون فناناً أفريقيا"، وماهية الفن الأفريقي المعاصر، التي انعكست في منحوتاته ورسوماته الانطباعية التي تُبرز مكانة المرأة في الميثولوجيا الأفريقية القديمة.

تُبرز الأعمال المعروضة ميثولوجيا حضارات غرب أفريقيا

تهتمّ لوحاته بمشاهد الرقص بوصفها عنصراً مركزياً في ثقافة بلاده، بما تمثّله من وسيلة للاتصال بين الأفراد والجماعات، وإعلان الترحيب أو الانتقاد بعضهم لبعض، ولإثارة الحماسة نحو العمل، إلى جانب ما ترمز إليه من معتقدات حول الفضيلة والخصوبة والتضحية وغيرها من القيم.

في أعمال بروس أونوبراكبيا (1932)، تُعرض رسومات المرحلة الأولى التي اهتمّ فيها بالتراث والطبيعة في نيجيريا بأسلوبه الواقعي، مروراً باستخدامه تقنية الطباعة الحريرية، مستلهماً رموزاً وكتابات من حضارة أورهوبو في بلاده، ومحاكاته الأيقونات المسيحية في النقوش التاريخية جنوب الصحراء الكبرى، وكذلك تصويره لشخصيات تاريخية تنتمي إلى مملكة بنين التي تأسّست نهاية القرن الثالث عشر وامتدّت في مناطق واسعة من الغرب الأفريقي.

أما سوزان فينغر (1915 – 2009)، فهي فنانة نمساوية يُنظر إلى تجربتها ضمن المشهد التشكيلي النيجيري، بحكم إقامتها في لاغوس عقوداً عدّة تتبّعت خلالها ثقافة شعب اليوروبا الذي يُعتبر من أكثر شعوب القارة الأفريقية تحضّراً، باعتمادهم أبحدية متطوّرة، واختراع تقويم خاص بهم، حيث أعادت محاكاة فنونهم ومنها المنحوتات الطينية والنحاسية ونقوشهم المصوّرة، وكان لها دور في توثيقها وحفظها دولياً.

وتُعرض أيضاً أعمال أبايومي باربر (1928) الذي تنوّعت أعماله بين الرسم والنحت والغرافيك إلى جانب تدريسه الفن، وركّز فيها على المناظر الطبيعية بأسلوب يقترب من السوريالية، واستخدم زيوتاً وأصباغاً من بيئته، وعالجها بالرمال، بالإضافة إلى تنفيذه منحوتات لعدد من الشخصيات البارزة في التاريخ النيجيري.

وكذلك أعمال أوتشي أوكيكي (1933 - 2016) الذي يُعدّ من روّاد فناني الرسوم التوضيحية وتصميم الكتب والإعلانات في بلاده، كما درس حفظ وترميم الآثار في لندن واستفاد من تخصّصه في منحوتاته الخاصة، وترك تنظيرات حول ما سمّاه "التوليف الطبيعي" الذي يشير إلى دمج الحداثة الأوروبية مع التأثيرات الجمالية الأفريقية من خلال رسوماته المستوحاة من ثقافة شعب الإيغبو الذي عُرف بتطويره أنماطاً موسيقية واستعراضات راقصة تمّ توظيفها في الموسيقى الأفريقية الحديثة، معيداً إنتاج نقوشهم التقليدية بلغة بصرية حديثة.

المساهمون