وول سوينكا.. ضدّ ثقافة الجدران

وول سوينكا.. ضدّ ثقافة الجدران

08 ابريل 2017
(سوينكا بعد خروجه من السجن، عام 1969؛ تصوير: كيستون)
+ الخط -

لم يفصل الروائي النيجيري وول سوينكا (1934) يوماً بين الفساد والاستبداد اللذين يعيشهما وطنه، وبين المستعمر بوصفه المسؤول الرئيس عنها، لذلك أدرك باكراً أنه يناضل على جبهتين؛ ضدّ الدكتاتوريات في نيجيريا وغيرها من بلدان القارة السمراء، ومدافعاً عن هويته في وجه محاولات تنميطها والنظر إليها بوصفه ثقافة أقل شأناً في دوائر أكاديمية غربية.

وعى صاحب "السلالة القوية" ذلك منذ بدايات مشواره في الأدب والسياسة، وأن ارتحاله المستمر بين الولايات المتحدة وبلاده طيلة أكثر من ثلاثين عاماً، لم يكن بسبب الملاحقات الدائمة له من قبل السلطة فحسب- وهو الذي سُجن أكثر من مرة- إنما رغبة في مواجهة الطرف الآخر من المعادلة منذ أن لجأ إلى أميركا في سبعينيات القرن الماضي، وبدأ يدرّس الأدب المقارن في عدد من جامعاتها.

عند محطّة اختبار جديدة، اختار سوينكا مغادرة نيويورك احتجاجاً منه على سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقراراته المعادية للمهاجرين، والانتقال إلى الإقامة في جنوب أفريقيا والعمل أستاذاً في جامعة جوهانسبورغ.

عودة إلى البلد الذي أهدى يوماً جائزة نوبل للآداب التي حازها عام 1968، إلى رئيسه الراحل نيلسون مانديلا (1918 – 2013)، وربما وفاء منه لـ"ماديبا" وأحلامه التي رحل من أجلها، قرّر سوينكا مواصلة الاشتغال على مواضيع وقضايا تشغله وعلى رأسها تحرّر القارة السمراء وتعزيز قيم الديمقراطية والعدالة فيها.

قرأ صاحب "مجانين واختصاصيون" لحظة فوز الرئيس الأميركي بأنه "شعور بالكارثة حتى النخاع، وأن العالم المترنّح بالفعل أقرب إلى المنحدر"، موضّحاً "جدار ترامب قيد البناء الآن، الجدران في العقول، وترامب أقام الجدران، ليس فقط على مستوى الذهنية الأميركية، ولكن على المستوى العالمي".

موقفٌ تعود جذوره إلى أكثر من خمسين عاماً، حين كتب سوينكا روايته "المفسّرون" (1965)، وهي تنتمي إلى مجمل تجربته التي قاربت قضايا راهنة بكلّ ما يمتلكه من جرأة وعمق في الطرح، ففي هذا العمل قدّم انتقادات قاسية إلى المثقّفين النيجيريين الذين يعجزون رغم ما يمتلكون من معرفة عن تفسير الظواهر التي تعصف بمجتمعهم.

حيرة المثقف وضعفه يقودانه إلى ممالأة السلطة، والبحث عن مكاسب عابرة تفرض عليه تزوير الحقائق، أو إلى الإحباط واليأس، وهنا يحضر الخلاص من وجهة نظر الروائي في الحفاظ على تاريخه الشخصي وتاريخ وطنه، ليستشعر القوة في رؤية المستقبل رغم عذابات المنافي والسجون.

في "المفسّرون" لن يستطيع الفنانون والكتّاب الكشف عن حاضرهم بل إنهم يخافون الشعب، الذي يمتلك وحده القدرة على تفسير الواقع، لأنه من يتألّم أكثر وليس لديه من معرفة أو إبداع يساوم عليه.

خلال مسيرته، انحاز سوينكا إلى المفسّرين وهمومهم، ولم يوظّف يوماً "اختلافه" عنهم إلاّ من أجل مزيد من مجابهة كلّ أشكال الهيمنة عليهم.

المساهمون