"التكميل الشافي للغليل": نسخة محقّقة

"التكميل الشافي للغليل": نسخة محقّقة

08 يناير 2023
نجيب بلخوجة/ تونس
+ الخط -

لم يهتمّ المؤرخ التونسي مُحَمّد الصَّغيّر بن يوسف الباجي (1699 - 1772) بتدوين أخبار عصره فقط، بل سعى في مؤلّفاته إلى تقديم معلومات دقيقة حول الواقع المعيش والظروف الاقتصادية وأثرها على المجتمع في مدينته باجة وتونس عموماً.

في التسعينيات، صدرت نسخة محقّقة من كتابه الأبرز "المشرع الملكي في سلطنة أولاد علي تركي" الذي يُعدُّ من أبرز المصادر التاريخية حول البلاد التونسية، ويتناول عهود الحكّام الأربعة الأُوَل للدولة الحسينية التي حكمت أيالة تونس العثمانية مطلع القرن الثامن عشر.

لكن بقي العديد من مؤلّفاته مخطوطة، ومنها "التكميل الشافي للغليل على كتاب العِبر لعبد الرحمان بن خلدون" الذي صدرت نسخةٌ محققة منه حديثاً عن "المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون - بيت الحكمة" في تونس، في جزأين من تحقيق محمد فوزي المستغانمي، ومراجعة منيرة شابوتو الرمادي.

الصورة
غلاف الكتاب

يُبرز الكتاب دور المؤرّخ في تونس إبان الحُكم العثماني عبر سعة اطّلاعه على العلوم ومعارف عصره، ودفاعه عن الدولة كمشروع مجتمعي وليس باعتبارها سلطة، حيث حقّق التأريخ في هذه الفترة نقلة نوعية بانتقاله من حقل الكتابة الأدبية إلى اعتبارها علماً مستقلاً يُطلق على المشتغلين به "مؤرّخون".

يعتمد الباجيّ في هذا الكتاب على مراجع لعدد من المؤرّخين الذي سبقوه من أمثال ابن أبي دينار القيرواني والوزير السرّاج وحسين خوجة، الذين وثّقوا في كتبهم تاريخ تونس في عصور قبل الإسلام، مروراً بالفتح العربي والولاة والحُكّام الذي تعاقبوا على حكمها ضمن حدود الخلافة الإسلامية والإمارات والدول التي تشكّلت بعدها، وصولاً إلى عهد السيادة التركية.

يضيء الكتاب شخصية سنان باشا (1520 – 1596)، وهو قائد عسكري عثماني من أصل ألباني سُمّي حاكماً على مصر قبل أن يقود حملة عسكرية سنة 1574 على تونس أنهت الاحتلال الإسباني للبلاد وأخضعتها لحُكم الأستانة. كما ينتقد ظُلم الباشوات الذين كانت جميع أمور البلاد بيدهم، وتميزت أحكامهم بالقسوة خاصة بحقّ خصومهم السياسيين، لافتاً إلى أن الباشا يستمرّ في إدارته سنوات قليلة حتى يُعزل ويؤتى بغيره، وهو ما تسبّب بتراجع الدولة العثمانية مثل غيرها من الدول حين يسود فيها الظلم.

يُذكر أن مُحَمّد الصَّغيّر بن يوسف الباجي كان شغوفاً بمطالعة كتب التاريخ رغم تحصيله العلمي المتواضع، وترك العديد من المؤلّفات التي تظهر عمق معرفته بثقافة مجتمعه وتقسيماته الطبقية، ومنها "ذيل نجباء الأبناء وسلوان المطاع لابن ظفر الصقلي"، و"المذيل على الرسالتين".

المساهمون