البايات الحسينيّون.. محاولة الدولة التصالحَ مع ذاكرتها

البايات الحسينيّون.. محاولة الدولة التصالحَ مع ذاكرتها

10 يناير 2022
شبّاك يطلّ على القاعة الرئيسية من "القصر السعيد"
+ الخط -

إلى زمن قريب، بقي تاريخ الأسرة الحسينية التي أدارت تونس بين 1705 و1957 من بين محظورات البحث التاريخي بسبب حرص نظامَي بورقيبة وبن علي على فرض رواية رسمية لتاريخ تونس. وحين نعلم أنّ تأسيس النظام الجمهوري قام على دعاية مضمونها "شيطنة" الأسرة الحسينية واعتبارها سبب تأخُّر البلاد، نفهم ذلك الحرص على عدم إطلاق يد المؤرّخين لفحص هذه المقولات على ضوء الوثائق التاريخية.

لم يتغيّر هذا الوضع إلّا بعد ثورة 2011. وقتها، صعدت موجة مراجعات لتاريخ تونس، خصوصاً تلك المناطق المسكوت عنها، ومن بينها تاريخ الدولة الحسينية. وفي هذا السياق، يمكن أن نعدّ مؤلّفات متنوّعة الأجناس والمقاربات ضمن هذه الموجة؛ مثل كتاب "أمراء وأميرات الحسينيين: تاريخ آخر" (2016) لمحمد علي الحباشي، ورواية "الإغواء الملكي" (2014) للصافي سعيد، كما أُنجز مسلسل تاريخي في 2018 بعنوان "تاج الحاضرة".

بداية من 13 كانون الثاني/ يناير الجاري، يحتضن "مركز الفنون والثقافة والآداب: القصر السعيد" في باردو، بالقرب من تونس العاصمة، معرضاً بعنوان "البايات الحسينيّون"، يستمر على طول سنة 2022؛ وهو معرض تشرف على تنظيمه مؤسّسات الدولة من خلال وزارة الثقافة و"المعهد الوطني للتراث" و"دار الكتب الوطنية" و"مركز الموسيقى العربية والمتوسطية: النجمة الزهراء"، كما جرى الاعتماد فيه على المجموعة الخاصّة لكلّ من تاج الملك الخياشي وساشا بايليكا.

معرض في سياق مراجعات الروايات الرسمية المفروضة عن تاريخ تونس

يمكن اعتبار المعرض دعوةً (رسمية) للتونسيّين لزيارة ملوك البلاد السابقين بعد عقود من النسيان والتغييب، ولا يمكن ألّا يكون انخراط كلّ تلك المؤسّسات الرسمية في تنظيم المعرض من دون دلالة لافتة؛ فالأمر بذلك يشبه مصالحة تعقدها الدولة مع تاريخها البعيد الذي تنكّرت له في وقت من الأوقات.

يتكوّن المعرض من لوحات أُنجزت لأفراد من الأسرة الحسينية، سواء بطلب منهم أو ضمن نزعة توثيقية لدى بعض الفنّانين التونسيّين، ويضم في المجموع 17 لوحة أنجزها كلّ من: الهادي خياشي (1882 - 1948)، ونور الدين خياشي (1918 - 1987)، ومحمد مطيمط (1939 - 2011).

لا تكتفي هذه اللوحات بالتعريف بشخصيات تاريخية من حكّام تونس خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر، بل تضيء ملامح تاريخية؛ ككيفية تسيير البلاد إدارياً وعسكرياً، وتُبيّن بعض اللوحات التراتبيةَ بين أفراد الأسرة، والتي تنعكس على توزيع المناصب الكبرى في الدولة، وهو ما يُبرزه الرسّامون من خلال العناية بالأزياء والنياشين والأسلحة وغير ذلك من العناصر التي تُبيّن مركز كل شخصية تحضر في اللوحة.

يُذكَر أنّ الفضاء الذي يُقام فيه المعرض، "القصر السعيد"، هو في حدّ ذاته جزء من ذاكرة الحسينيّين، فقد كان إلى جانب "قصر باردو" (أصبح اليوم مقسّماً بين مقر البرلمان التونسي و"المتحف الوطني") مقرّاً لإقامة الباي (الملك)، وكان هذا المعلم مغلقاً لعقود بعد أن جرى ترميمه بعد الثورة وفُتح منذ بضع سنوات وبات يحتضن الأنشطة الثقافية، من بينها معرضٌ أُقيم عام 2019 حول تاريخ الدولة الحسينية برعاية مؤسّسات خاصة.

المساهمون