الأعراض الجانبية لقول كلمة مرحبا

الأعراض الجانبية لقول كلمة مرحبا

29 مايو 2022
"مكانٌ وفيه شيء أحمَر" لـ فيكتور ويلينغ
+ الخط -

يوم وصلتُ إلى هذا الحيّ، كنتُ أتحسَّس حجم التحدّيات التي سأواجهها، مشكلتي أني متأخّر عن الناس بخطوتين، دائماً ما أُفضّل الصمت والهروب على أن أفتح حديثاً مع أحد، حتى تلك الأحاديث التي من الواجب خوضها، ربّما كان أسهل عليّ أن أشترك بعراكٍ دامٍ على أن أرمي السلام على أحد.

لذا تأخّرت كثيراً في الأيّام الأولى، حتّى أجبرت نفسي على الذهاب للسوبر ماركت أوّل مرّة لأقول "مرحبا".

فعلتُ ذلك بعد أن شعرت بالإعياء من الجوع والعطش، لقد صُمتُ ثلاثة أيام تجنُّباً لقول تلك الكلمة.

كلّ هذه العذابات من أجل رحلة السوبر ماركت، إذن أيّ من العذابات تنتظرني مع الحلّاق، وسائق التاكسي وبائع الخضار، انتظرتُ حتّى صار شعري يشبه شعرَ المجانين، ثم خطوتُ خطوتي نحو باب الحلّاق ورميت الـ"مرحبا" المتردّدة نفسها، وحدث ما حدث من خليط من آلام الصدر وضيق التنفّس، واحمرار الوجه وسخونة الأذنين، وآلام التهاب القولون العصبي وغيرها، وهذا ما صرت أسمّيه الأعراض الجانبية لقول كلمة "مرحبا".

كم تمنيت ووددتُ أن أذوب مع الناس لكنّي مريض بـ "المرحبا"

دائماً ما أتحاشى الحديث مع أحد، وحتّى تلك الأحاديث الاضطرارية، أتجنّب حدوثها أصلاً، أحياناً مثلاً أفضّل المشي لساعات على أن أقول كلمتين لسائق التاكسي، أو أن أترك الصمت يخترقنا أنا وحبيبتي، على أن أتحدث بكلمة لحلّ المُشكلة.

صحيح أنّني ولدتُ مع هذا الثقل والتردّد؛ إلّا أني دائماً ما كنتُ أحاول أن أتدرّب مع نفسي على تلكَ الكلمة، وأحاول أن ألهج بها، أن أُصدر صوتاً، لكنّي أشعر بأنّها تتكوّر في صدري ولا تخرج، وحين تخرج تمرّ مثل كرة زجاجية كبيرة، تدفع بجدران البلعوم وتضغط على تفاحة آدم ثم تصطكُّ بأسناني قبل أن تمرّ إلى الهواء.

أنا أُعاني مع ذلك منذُ زمن، ولا يوجد حلّ جذري للمشكلة، بل على العكس طالما شعرت أني أخسر حياتي بسببها، كم تمنّيتُ ووددتُ أن أذوب مع الناس، وأن أُحدّثهم بدون عناء بدون خطوة إلى الوراء، لكنّي مريض بـ "المرحبا".

لذا يا أيها الغريب أينما تكون أُناشدك بحبّ الأرض والآلهة، أتوسّل إليك قل لي "مرحبا".

انطق تلك الكلمة التي طالما كنت أتعذّب بسببها.

حينما تمرّ بقربي ستعثر عليّ بسرعة، في وجهي تستقرّ ملامح الارتباك، وفي عيوني حركة متسارعة ملحوظة، كأنهّا تنظر في كلّ الاتجاهات، وأحياناً كثيرة تجدها قد غارت في الأرض هرباً منك.

لذا حينما يتسنّى لك أن تعثر عليّ قُل لي "مرحبا"، لأنجو من تلك العذابات، قُلها ولا تتردّد مثلي.

* كاتب من العراق

المساهمون