أطلسُ عدم المساواة

أطلسُ عدم المساواة

18 نوفمبر 2021
هوغو ماك كلود/ الولايات المتحدة
+ الخط -

هناك أماكن يبدو أن الوقت قد توقّف فيها: "الشرق الأوسط" كلّه، وبعض بيوت الفلمان.

وهكذا لن يتمكّن شخصٌ مثلي من دخولها أبداً. وهذا لا بأس به، وربّما أحسن، لي ولساكنيها. ذلك أنه لا يمكن أن أدخل أحدها، فأصل إلى نهاية شهر آمن.

آ والله: لو قمت بتشريح مفارقات عدم المساواة، وراهنت على الاشتراكية التشاركية، لبكيت، ولم أتناول في وجبة الإفطار: كأس قهوة مرة، مع قليل من الخبز والزعتر وزيت الزيتون. ولفضّلت التدخين على الريق.

ولو قمت بتشريح الأيديولوجيات التي تبرّر عدم المساواة، بما يقرب من نصف ألف عام وبما يغطّي خمس قارات.

لو أشرت إلى الملكية الخاصّة: المفتاح الذي يفتح صندوق باندورا، ويشرح كلّ شيء، لوجدت العالم ديستوبيا، لا يصلح للسكن. إنّما من حُسن حظّي، بسببٍ من شجون الشيخوخة، أنني لم أقم بهذا منذ أسبوع.

وقمتُ، بدلاً منه، بتكريس نفسي للحلم بيوتوبيا وهميّة، مثلما يكرّس الشاعر، كواحد من أقلّ الاقتصاديين نفوذاً في جيله، حياته لمحبّة الناس.

حتى أنني، تمنّيت مثله، على الله الرزّاق، ذات ليلة مقمرة، تحت عريشة نخل في برشلونة، هناك على جبال كولسيرولا، بتقديم ضريبة تسمح للجميع بالحصول على 120 ألف يورو في سن الخامسة والعشرين.

ولمّا أزل، مثله أيضاً، أنتظر الردّ الإلهي.

مع أن أمامي أطلس العالم، الآن، وأتابع حال كل بلد على حدة، وأصرخ: يا للهول.

أنذا وأمامي أطلس عدم المساواة! أطلس الإجحاف ونهاية حلم الإنصاف. أطلس الضفاف: ضفّتان غنية وفقيرة، وضفة ثالثة معدمة تماماً.

ملعون أبو الرساميل يا عم خليل.

الفقراء والمدقعون فقراً لا يذهبون إلى هناك. ولا يرثون ولو بوصة من بوصات الكوكب الأزرق.


■ ■ ■


مرّة، في حي إندبندنسيا في مونتيري، رأيت ملائكة الغفران، على باب في منزل للمجهولات.

ولم تستطع تعويذتي إنقاذ القلعة.

وساءلت نفسي، بعدما ساءني حالي: متى يكون افتتاح العودة إلى حياة الطبيعة؟

متى يكسبن لقمة عيشهنّ بفرح؟

ثم خرجت إلى النور، بحثاً عن لقمة، تحت شمس المكسيك.

خرجت وأنا أعرف: لن أكون قادراً على صنع شخصية تستطيع التحمّل مئة في المئة. ولن أعمل مجدّداً في مهنةٍ لمدّة أعوام، محاولاً فيها "إرضاء الآخرين"، كهدف أوّل.

أنا الشخص من جصّ، وطارئ الرغبة، وقديم الأسى كالحجر التراثيّ. أنا الذي خضعت لتعديلات منذ ظهور الأبراج في شوارع المدن الكبرى، ومنذ عُلِّقتُ على الواجهة الرئيسية للمُصلى الألفي، مسيحاً بلا صفات.

على الرغم من أن آخر نيّاتي كانت بيضاء كالحليب. وخضراء كالبرسيم، وصفراء كالشمس.

وشاركت في احتجاج عمّال ثقافيين في عدّة مدن، على نقص المساعدات، وكنت آمنت، مثلهم، بدوران الأرض، وعدم حاجتنا لكهنة الأديان، حتى في القرى.

فالأرض هي شريان حياتنا لا السماء. وإنه، لصُنع عوالم مختلفة، علينا أن نتخيّل مختلفاً. ولكم أشرت بيدي في غليان مستمر للأفكار، عن أن جمال الأنثى كجمال النور: يشبهان التوهج الذي يتألّق إلى ما لا نهاية.

ولطالما كنت أكثر هدوءاً، ولي وجه أقلّ امتلاءً، وأتحدّث أقلّ، وأبتسم بعيني، فأقبل أي دور ثانوي، في الثورة، دون عناء.

وها هو حصاد الرحلة: في حي إندبندنسيا في مونتيري، رأيت ملائكة الغفران، على باب في منزل للمجهولات.

وكنت لمّا أزل أبحث عن لقمة وعن رصيف يصلح للنوم.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية

المساهمون