أسبابٌ من أجل البحث عن كتاب

أسبابٌ من أجل البحث عن كتاب

27 ابريل 2023
"القارئ" لـ لويس ماركوسي، 1937 (Getty)
+ الخط -

قد يكون سفح مكتبة أفضلَ مكان للاحتفاء بيومِ الكتاب (يصادف 23 نيسان/ أبريل من كلّ عام). هناك آلاف الأسباب التي قد تدفع قارئاً أو قارئة، للبحثِ عن كتاب. لكلّ قارئٍ حياةٌ يحاول أن يفهمها في الكُتب، يحاول أو يوسّعها، أن يزيدها عبر قراءة رواية، قصة أو قصيدة.

ثمة كتبٌ تتطَّلبُ من القارئ إيقاعاً معيَّناً، تناغماً ما، ضبطاً موسيقيّاً مُحدَّداً. يَصعُبُ ابتلاع مضمونها بسرعة مئة كيلومتر في السّاعة. يستحيلُ التنقّل بين صفحاتها وهضم مفرداتها كما يبتلع المدخِّنُ نيكوتين تبغه. يتعذَّر علينا فيها إشعال فصل من فصولها بعقبِ الفصل السابق. نتحدَّث عن كتبٍ قويَّة تروّض - بدءاً من استهلالاتها - القارئ النَّهِم. ما إن نفتح أغلفتها حتّى تفرض علينا قواعد تضبطنا وتُلزِمنا.

نتحدَّث عن كتب فريدة، غالباً ما تكون جوهريَّة. نصل إليها كما نتعثَّر، مصادفةً، ومن غير قصد، بشارع من شوارع طفولاتنا. حينها تتوقَّف عقارب السّاعة ويتجمَّد الزّمن. وبدل أن نجول في ذاك الشارع الطفوليّ، نرى الشارع يجتاحنا ويجول فينا.

لا معنى لكتابٍ إنْ لم يكن مسكوناً بأسئلة مزلزِلة ترجّ القناعات

لهذا الغرض توجد الكتب أيضاً: كي ننتقل فيها من الصفحة الأُولى إلى الصفحة الأخيرة. إنَّما، بالطبع، قبل ذلك، كي ننتقل من جزء في أعماقنا وأعضائنا إلى جزء آخر. كي نصعد درجات وجودنا ونهبطها. ربَّما لهذا السبب، تحديداً، مدح بورخيس اختراع الكتب ووصفها بأنّها من أكثر الاختراعات البشريَّة روعة وسحراً، إنَّ كلَّ الاختراعات الأُخرى هي امتدادٌ لجسد الإنسان: "المجهر والتلسكوب هما امتدادان للبصر؛ والهاتف هو امتدادٌ للصوت، أمَّا السيف والمحراث فهما امتدادان لليد. إلَّا الكتاب، فهو شيء مغاير تماماً. إنّه امتدادٌ للذاكرة والخيال".

ثمّة فكرة عميقة تجمعُ المؤلّف والقارئ وتوحّدهما: الحاجة إلى مواجهة لُغز الحياة. لهذا السبب يكتب الكاتب، ولهذا السبب، أيضاً، يقرأ القارئ. لغز الحياة الموجود في الكتاب الذي يوقّعه الكاتب هو اللُّغز نفسه الذي يحمله القارئ. أحياناً يصطدم هذان اللُّغزان، وهذا أمر ضروري وجميل. يُشعل الكِتاب الأرواح المُطفأة. هذا هو سرّه. يذكّرنا أنَّ الجمال لا يزال موجوداً في هذا العالم الذي يزداد حروباً، قتلاً ودماً. يذكّرنا أيضاً أنّ الحريّة أمرٌ ممكن، لا سيّما بالنسبة لنا، نحن الذين وُلدنا بين السلاسل. يعلّمنا الكتاب أن نحبّ. ليس الآخَر وحده، وإنّما أن نحبّ أنفسنا.

قد يكون غياب التأمُّل في الكتاب وفي المؤلّف، عموماً، من بين السمات البارزة التي تتّصف بها الثقافة العربية. ويكاد أن يكون الحديث عن حقوق هذا الأخير معدوماً. يبدو هذا الغياب مشكلة ثقافية بحد ذاته، ذلك أنه يتواصل ويتسع، بالرغم من التغيّرات "الشَّكلية" التي تمّت في السنوات الأخيرة. قد يكون هذا اليوم فرصةً جيدةً للتأمّل حول أهمية الكتب، ودوره، وضرورة وجوده في حياتنا العربية.

ولا أعني هنا إلّا الكتب الجوهرية، تلك الكتب القادرة على الزّلزلة. لا معنى لكتابٍ إنْ لم يكن مسكوناً بالأسئلة المُزلزلة. الأسئلة التي ترجُّ القناعات البليدة وتزيل القيود والقشور عنها. وما أكثر هذه القشور: دينية، وسياسية، وأيديولوجية، وثقافية.

المساهمون