صناعة النشر العربية: الكتاب الورقي في غرفة العناية؟

صناعة النشر العربية: الكتاب الورقي في غرفة العناية؟

17 فبراير 2023
ما زال الكتاب الورقي يستقطب الشريحة الأوسع من القرّاء العرب (Getty)
+ الخط -

ليس خفيّاً أنّ صناعة النشر الورقي العربية تعاني من أزمة لا تكاد تنتهي: بدءاً من سوق كتاب مقطّع الأوصال، حيث القوانين الخاصّة بالكتاب تختلف بين بلد عربي وآخر، مروراً بتراجع القدرة الشرائية لدى القرّاء وعموم المواطنين العرب، وتزايد التضخّم وأسعار الورق، وبالتالي إنتاج الكتاب واستيراده وتصديره، وليس انتهاءً بصعود وسائل نشر بديلة للكتاب الورقي، متمثّلة بالكتابين الإلكتروني والصوتي.

في هذا السياق، تختلف الآراء بين مَن يرون أنّ الكتاب الورقي دخل فعلياً ما يشبه "غرفة إنعاش" تؤذن بنهايته، وبين مَن يرون أنّ تاريخ النشر العربي عاش أزمات مشابهة في السابق واستطاع الخروج منها.

"العربي الجديد" توجّهت بهذا التساؤل حول أوضاع الكتاب العربي ومستقبله إلى عدد من الناشرين والمختصّين بعالم الكتاب، محاولةً تلمُّس آرائهم، باعتبارهم أكثر المعنيّين بهذه المسألة وأكثرهم قدرة على توفير إجابات.


قارئٌ وفيّ للورقي

يرى الناشر فارس خضر، مدير "دار الأدهم للنشر والتوزيع" في مصر، أنّ صعود التقنيات الحديثة والثقافة الرقمية لا يتعارض مع ثقافة الكتابة والكتاب، فـ"الثقافة البصرية تضيف للثقافة المكتوبة، كما أنّ الوسائط البصرية الجديدة لا يمكنها أن تصنع إبداعاً بحدّ ذاتها، بل تُساهم في نشر الآداب والفنون".

ويضيف: "الحديث عن الكتاب الرقمي لا يعني إنتاج إبداع من الألف إلى الياء رَقْمِيّاً. صحيح أنّ بعض المبدعين وظّفوا تقنيات رقمية في أعمالهم، لكنّ العملية الإبداعية لا تزال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالكتابة التي هي الأساس، سواء كُتبت على ورق أو على جهاز الكومبيوتر".

التكنولوجيا الجديدة تضيف للكتاب الورقي ولا تلغيه

من جهتها، ترى الكاتبة والناشرة نور المفتي، مديرة دار ومكتبة "خطوة" للكتاب العربي في إسطنبول، أنّ "الكتاب الورقي سيظلّ على عرشه لسنوات طويلة، وسيظل مطلباً ومقصداً لذاته يسعى خلفه الكثير من القرّاء من كلّ الأعمار. فالثورة التقنية والوسائل البصرية الرقمية المتطوّرة ووسائل الترفيه عبر الإنترنت لم تقف حائلاً دون محافظة الكتاب الورقي على مكانته، ويمكننا رصد ذلك أيضاً من خلال المكتبات العامّة ومكتبات بيع الكتب، وحتى منصّات البيع الرقمي، حيث لا تزال هناك مكانة للبيع الورقي من خلالها. تُضاف إلى ذلك خدمات توصيل الكتب، والمعارض، ومدى حرص القرّاء على اقتناء الكتب الجديدة والمترجمة والروايات وغيرها من المطبوعات الورقية؛ كلّ ذلك يدلّل يقيناً على أنّ هناك قارئاً وفياً للورقيّ".


جيل جديد

كلام المفتي ليس بعيداً عن الواقع، حيث لا تزال نسب قراءة الكتاب الإلكتروني ضعيفة عربياً مقارنة بثقافات أُخرى، كما هو الحال مثلاً في أوروبا أو الولايات المتّحدة. أمّا عالم الإنترنت، فما زال بالنسبة إلى الثقافة العربية فضاءً للتسلية أكثر منه مكاناً للوصول بشكل جديد إلى المعرفة.

لا ينفي الناشر حسين مايع، مدير دار "قناديل للنشر والتوزيع" في بغداد، أنّ للتطوّرات التكنولوجية مساهمات عديدة في مجال النشر، حيث "أضافت على جودة الطباعة وسرعتها، وانعكست آثارها على أُسلوب وحياة الإنسان نفسه، وطريقة تلقّيه للأمور، بما فيها المعرفة والمعلومات، كما ظهرت شرائح من القراء الذين يُفَضِّلون الكتاب الإلكتروني؛ فزادت نسبة قرّاء الإلكتروني، واتّسعت شريحة مستخدمي الكتاب المسموع، خاصّة وسط الأجيال الجديدة".

لكنّه يستدرك بأن القرّاء "التقليديّين" ما زالوا موجودين، أي "أولئك الذين اعتادوا قراءة الكتاب الورقي، وما زالوا مرتبطين به ارتباطاً نفسياً وعاطفياً، فلا شكّ في أنّ للكتاب الورقي لذّة خاصة"، ويختتم: "نعم، هناك منافسة شديدة بين عالم الكتاب الورقي والإلكتروني، لكنّ الكتاب الورقي صامد وسيصمد لفترة طويلة، حيث تصعب إزاحته، لاعتبارات متعدّدة".

بمرور الوقت، قد تقلّ نسبة قراءة الكتب الورقية مقابل الإلكترونية عربياً، ولا سيما بفضل الهواتف الذكية التي ستساعد في الحصول على الإصدارات وقراءتها في أي مكان. وبحسب أحد الإحصاءات، فإن 33% من العرب يمتلكون هواتف ذكية، في حين أن 40% من أصحاب الهواتف يستخدمونها في أنشطة متعلّقة بالقراءة تتضمّن قراءة الكتب ومطالعة الأخبار وقراءة المقالات. أمّا نسبة الذين يشترون كتباً رقمية، فهي لا تزيد على 5%، رغم تزايد عدد منصّات النشر الرقمي والبيع الرقمي في السنوات الأخيرة.

يذكر وسيم أبو الحسن، مسؤول "دار إقدام للطباعة والنشر" في إسطنبول، أنّ من الصعب تجاوز الكتاب الورقي، الذي ما زال محافظاً على الريادة في سوق الكتاب، إذ إنّ "شريحة كبيرة من القرّاء لا ترتضي بالكتاب الإلكتروني بديلاً عن الورقي، رغم سهولة الوصول إلى الأوّل. هؤلاء يفضّلون رائحة الكتاب وملمسه ويرغبون بتزيين رفوف مكتباتهم بالكتب الورقية. في حين أن شريحة كبيرة من مستخدمي الكتاب الإلكتروني تلجأ إلى هذا النوع من الكتب لعدّة أسباب، منها الكلفة المرتفعة للكتاب الورقي، أو لصعوبة الوصول للكتاب الصادر في بلد آخر. وفي كثير من الأحيان يلجأ القارئ للكتاب الإلكتروني لأخذ معلومة منه أو للاطلاع على محتواه دون الحاجة لاقتناء الإصدار كاملاً وبشكل دائم".


تحدّيات 

لا يشكّ محمد البعلي، مدير "دار صفصافة للنشر والتوزيع"، في أنّ "المستقبل للكتاب الإلكتروني، لأن دور النشر نفسها ستتوقّف عن طباعة هذه الأعداد الهائلة من الكتب، ولأنّ كلفة إنتاجه أرخص بكثير. فالمنتِج لن يحتاج أوراقاً ولا أحباراً ولا ماكينات طباعة"، مضيفاً أن "الانتقال إلى الكتاب الإلكتروني أصبح مسألة وقت، مع الحفاظ على طباعة كميات قليلة لمحبّي الورق".

ويشير البعلي إلى أنّ تكنولوجيا المعلومات تضع الكتاب الورقي أمام مجموعة من التحدّيات والفرص التي غيّرت وتغيّر إلى حدّ بعيد وجه صناعة النشر، "فمن جهة، قدّمت الثورة التقنية قنوات جديدة للتعريف بالكتب والترويج لها وتسويقها من خلال مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لكنّها خلقت، من جهة أخرى، تحدّيات أمام الكتاب الورقي، فتوفّر الكتاب الصوتي والإلكتروني والممسوح يزيح الكتاب عن عرش مصادر المعلومات، حيث لم تعد المعلومات المعمّقة والأبحاث حكراً على الكتب والمجلّات العلمية".

يلجأ البعض للكتاب الإلكتروني لأخذ معلومة فقط أو تصفّحه

وإذا كان الكتاب الإلكتروني العربي لا يزال في بداياته، فإنّ السوق العالمية لهذا النوع من الكتب ما فتئت تتوسّع في السنوات الأخيرة. فبحسب تقرير لمؤسّسة "ستات شوت" نُشر في 2022 بناءً على إحصائيات 2021، بلغت نسبة مبيعات الكتاب الإلكتروني في الولايات المتّحدة 10% من مجمل مبيعات الكتب، في حين زادت مبيعات الكتب الصوتية على 8%، بينما تُشير دراسات مشابهة إلى ارتفاع مواز لسوق الكتاب البديل في بلدان مثل بريطانيا، وفرنسا، واليابان، والهند.

يقول فؤاد عكليك، صاحب "دار الرقمية" في رام الله، إنّ الكتاب الورقي لا يستطيع الصمود أمام هذه الثورة الهائلة من التكنولوجيا، فالطباعة الديجيتال أزاحت طباعة الأوفست من عرشها، وكانت حلّاً لأزمة التوزيع التي يعاني منها جميع الناشرين، بما في ذلك صعوبات متعلّقة بالنقل، والجمارك، والمنع في بعض البلاد.

يضيف: "من واقعي كناشر فلسطيني، فإنّ الكتاب الورقي دخل غرفة العناية المركّزة، وأظنّ أنّه في العالم العربي كلّه يعاني الكتاب الورقي من أزمات شديدة التعقيد تجعل الدخول في إنتاج الكتاب الإلكتروني حلّاً سريعاً ضد اندثار صناعة النشر. فالكتاب الورقي في طريقه للزوال، وما سيبقى هو الكتب الكلاسيكية فقط، والتي ستصبح مرتفعة التكاليف مقارنة بالكتب الرقمية والصوتية. هذه التقنية، ستجد طريقها إلى القارئ العربي أكثر فأكثر في السنوات المقبلة".


* ناشرة فلسطينية

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون