"متحف الحقّانية".. تاريخ مصر من بوّابة القضاء

"متحف الحقّانية".. تاريخ مصر من بوّابة القضاء

12 يونيو 2022
(من مقتنيات المتحف)
+ الخط -

في عام 1869، أَعلن الخديوي إسماعيل (1830 - 1895) عن الشروع في تأسيس "سراي الحقانية" في الإسكندرية ليكون مقرّاً لأُولى "المحاكم المختلَطة" في مصر، والتي أُنشئت خلال القرن التاسع عشر في ثلاث مدن تضمُّ أكبر عددٍ من الأجانب (الإسكندرية والقاهرة والمنصورة) ليتقاضى إليها الأوروبيّون الذين كانت المعاهدات تمنع مثولهم أمام القضاء المحلّي، وهو النظام الذي سيستمرّ حتّى إلغائه في تشرين الأوّل/ أكتوبر 1949.

تقرَّر تشييد البنايةِ في ميدان المنشية الذي يضمُّ، أيضاً، مبنى البورصة ومقرّ "الاتحاد الاشتراكي" وتمثالاً لمحمّد علي باشا، وهو المكانُ الذي سيشهد في 23 يوليو/ تمّوز 1954 إطلاق الرصاص على الرئيس المصري جمال عبد الناصر، بينما كان يُلقي خطاباً لمناسبة الذكرى الثانية لثورة 1952. وقد صمَّم المهندسُ الإيطالي لازروف المبنى، المؤلَّف مِن أربعة طوابق، على طراز عمارة الفنون الجميلة، وجرى افتتاح المحكمة رسمياً في حزيران/ يونيو 1857، قبل أن تبدأ عملها في شباط/ فبراير من السنة التالية.

بعد إهمال استمرّ عقوداً، سجّلَت هيئةُ الآثار المصرية "سراي الحقّانية" معلَماً أثرياً في عام 2001، كخطوةٍ أُولى لترميمه وحفظ أرشيفه التاريخي الذي يُعدُّ الأكبَر بعد ذلك الموجود في "دار القضاء العالي" بالقاهرة، وهو يتضمّن وثائق وكُتباً ولوحات زيتية وصُوراً فوتوغرافية وأدوات استُخدمت في المحكمة.

أدّت خلافاتٌ بين وزارتَي الآثار والعدل إلى تعطيل ترميم المبنى

لم تبدأ أشغال الترميم إلّا في 2010، وكان مقرَّراً أن تنتهي في 2013، لكنَّ المشروع، الذي هدف إلى تحويل المبنى التاريخي إلى متحف للقضاء، توقَّف مع بداية ثورة يناير 2011، وكانت تكلفته قد بلغت قرابة 150 مليون جنيه مصري. وحينها، تبادَل مسؤولون في وزارتَي السياحة والآثار، والعدل، الاتهامات بمسؤولية الطرف الآخر عن تعطيل الترميم وتعريض المبنى لمزيدٍ من التصدُّعات التي طاولت جدرانه وأسقفه وسلالمه.

يومَ الخميس الماضي، افتُتح المبنى مجدَّداً، بعد أن جرى تحويله إلى متحف باسم "متحف سرايا الحقانية". وكان لافتاً غيابُ ممثّلين عن وزارة السياحة والآثار عن الافتتاح الذي اكتظّ بحضورٍ رسميّ يُمثّل وزارة العدل؛ من بينهم وزير العدل عمر مروان، ورئيسُ "محكمة الاستئناف" في الإسكندرية، عبد الملك القمص مينا، والذي قال، في تصريحات صحافية، إنّ المتحف يهدف إلى "إلقاء الضوء على دور المحاكم الثقافي"، و"إتاحة أرشيفه للقضاة والباحثين في مصر وخارجها"، معتبراً أنَّ المحاكم "ليست أبنية للفصل في القضايا فقط، بل مراكز إشعاع حضاري وثقافي".

من بين المقتنيات التي يعرضها المتحف لوحاتٌ زيتية، وخمسون صورةً لحكّام مصر من الأسرة العلوية، وصُوَر لأعضاء ورؤساء المحكمة المختلطة، وقرابة 1200 فرمان أصدرها "الباب العالي" منذ 1597، وملفّات خاصّة بالقضاء المختلَط منذ تأسيس المحكمة وحتى عام 1945، إضافةً إلى سجلّات ومحاضر لقضايا، من بينها "قضيّة ريّا وسكينة" في عشرينيات القرن الماضي. كما تضمّ المحكمة قرابة 1300 خريطة لمصر العربية، و5400 كتاب، ومجموعات قانونية بالفرنسية ولغات أُخرى يعود أقدمها إلى عام 1820، إلى جانب قطع أثرية مختلفة تعود إلى فترة المحاكم المختلطة.

المساهمون