"عين على السودان": سينما الهامش والحواضر الطرفية

"عين على السودان": سينما الهامش والحواضر الطرفية

09 اغسطس 2022
من فيلم "حاحاي الكلاب" لـ صدام صديق (2019)
+ الخط -

كيف يُمكنُ للأفلام التسجيلية البعيدة عن النسق التجاري أن تشتغل، وأين تُعرض، ومَن جمهورُها؟ قد يكون السؤال عامّاً، إلّا أنّه في حالة البلدان التي شهدت منعاً للحرّيات السياسية والمجتمعية تزداد حدّة ذلك السؤال وخصوصيته.

مجموعة أفلام سودانية قصيرة وجدت متنفّساً لها على سطح عمارة في مدينة بيروت، حيث المشهدية مفتوحة على منظرٍ طللي يُشرف على المرفأ المُحطّم. وذلك في أُمسيتَي 28 و29 من الشهر الماضي اللتين نظّمتهما "سودان فيلم فاكتوري" ومنظّمة "اتجاهات - ثقافة مستقلّة" بعنوان "عين على السودان".

خُصّصت الأمسية الأُولى لأفلام من حقبة السبعينيات والثمانينيات، ورغم ما يحمله ذلك الزمن سياسياً من بدء تشكّل السلطة الديكتاتورية العسكرية في البلاد إلّا أنّه شهد ردّة فعل مُقابلة على صعيد الفنون وهذا ما تمثّله الأفلام الأربعة المعروضة، قضايا كالاستبداد والقمع وتهميش المدن والحواضر الطرفية حضرت برمزية عالية.

في فيلم "المحطّة"، 17 دقيقة (1989) للطيب مهدي، ترصد الكاميرا حالة الترقّب والانتظار التي يعيشها سكان إحدى المدن الشرقية، شارعٌ كبير ووحيد يقسم المدينة بلا اكتراث لمصير أهلها، وغايته الوحيدة تأمين طريق لشاحنات الاستيراد التي تصل العاصمة بالبحر الأحمر. كذلك العمل المعنون بـ"ولكن الأرض تدور"، 19 دقيقة (1978) لسليمان النور الذي يرتحلُ شرقاً إلى اليمن ويصوّر حالة الانقلاب الثقافي في البلاد مع مرحلة التحرّر من الاستعمار البريطاني.

في حين وثّق فيلم "جمَل"، 13 دقيقة (1981) لإبراهيم شدّاد، المعنى الحقيقي لشظف العيش من خلال صورة الحيوان الذي يُستخدَم في أعمال طحن الحبوب وتحميل الأمتعة، ليبيّن من وراء ذلك حال الإنسان المُستغَل الذي يطحنه الفقر والتهميش. أمّا حسين شريف فيصوّر عمله "انتزاع الكهرمان"، 32 دقيقة (1975) مشاهد من جزيرة سواكن أواخر القرن التاسع عشر حيث تبدو المدينة مجرّد أطلال بفعل الصراعات الاستعمارية، إلّا أنّ الخلفية الإنشادية التي استلّها المُخرج من شعر ابن الفارض الصوفي أحيتِ المشهد البصري الطللي ليس في سواكن فقط إنما انسحبت على واقع المُشاهدين في بيروت أيضاً.

أفصحتِ الأفلام المَعروضة عن مقدارٍ عالٍ من الرمزية

الصورة
طلال عفيفي - القسم الثقافي
طلال عفيفي أثناء تحدّثه في الفعالية

وقد تلا العرض جلسة حوارية إلا أنّ وضع الكهرباء والإنترنت لم يُتح لطلال عفيفي مدير "سودان فيلم فاكتوري" الذي تحدّث من الخرطوم عبر "زووم" أن يتفاعل مع كل أسئلة الحاضرين على سطح عمارة في حي مار مخايل، ونثارٌ من إهراءات المرفأ المتداعية يملأ الجو. أمّا الأمسية الثانية فخُصّصت للأفلام الحديثة وهي: "الست" لسوزانا مرغني، 11 دقيقة (2020) و"حاحاي الكلاب" لصدام صديق، 15 دقيقة (2019)، و"حفنة تمر" لهاشم حسن، 11 دقيقة (2020) و"إيمان" لميا بيطار، 40 دقيقة (2021) و"الفندك" لمحمد المر، 8 دقائق (2022).

الملاحَظ بين الأمسيتين عدّة فروق، فمقدار الرمزية في المجموعة الأولى أعلى بكثير، والكاميرا تنحو منحى التكثيف في مشهديتها، كما أنّ المدن والمناطق التي تناولتها هي من الشرق السوداني وسواحل البحر الأحمر. أمّا أفلام الأمسية الثانية فتحدّثت عن قصص الحب والنظرة النمطية المجتمعية، وتوزّعت بين مدن وجهات مختلفة شمالاً وجنوباً.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون