"حَركيّة المجتمع التونسي": الباحثون والحدث البوليفوني

"حَركيّة المجتمع التونسي": الباحثون والحدث البوليفوني

12 نوفمبر 2020
على جدار مقر الحكومة التونسية، مارس 2011 (فتحي بلعيد، Getty)
+ الخط -

منذ عقود قليلة لا غير، درجت الكتب الجماعية في الثقافة العربية، بدت أوّل الأمر مثل تقليد لأحد أشكال الكتب الرائجة في الغرب، ثم أخذت تعكس الكثير من النشاط الأكاديمي من ندوات علمية وبرامج أبحاث مشتركة، ثم بدأنا نجد بعض الكتب الجماعية ذات الرؤية الموحّدة، موضوعاً ومنهجاً، وفيها تتكامل مساهمات المشاركين مثل لوحة فسيفساء. 

قد يُخفي تأخّر تحوّل الكتاب الجماعي إلى صناعة ثقافية دارجة عربياً كونَه خيارا ضروريا لعدة أسباب، منها أن بعض المواضيع في حاجة لأكثر من جهد للإمساك بها كأن نكتب مثلاً حول الفلسفة الألمانية في مجملها، أو حول مجال دراسي شاسع مثل الدراسات الثقافية. كما أن بعض القضايا والظواهر لا يمكن أن نتناولها إلا بأصوات متعدّدة. وهذ هو الحال مع الكتاب الجماعي "حَركيّة المجتمع التونسي في عشرية الثورة: بين إرادة الحياة واستجابة القدر" الذي صدر مؤخراً عن "دار محمد علي"، فمقاربة منعطف سياسي واجتماعي وثقافي مثل المرحلة الانتقالية التي تعيشها تونس اليوم غير قابل للإمساك من خلال زاوية وحيدة أو تخصّص دون غيره.

شارك في الكتاب باحثون تونسيون من مجالات متباينة؛ المولدي قسومي من علم الاجتماع، حكيم بن حمودة وبكار غريب من العلوم الاقتصادية، يوسف الصدّيق وحمادي بن جاب الله ومحمد علي الحلواني من الفلسفة، عياض بن عشور ورضا روّادي من العلوم القانونية، الصادق الحمامي ومحمد اليوسفي من علوم الاتصال، فاتح بن عامر من الفنون الجميلة، الحبيب مسريط من علوم التربية، منوبية بن غذاهم الباحثة في الأدب الفرنسي، وأحمد الزعزوعي من علوم الإحصاء. كما شارك في الكتاب الإعلامي الجزائري مهدي براشد الذي عقد مقارنة بين "ثورة تونس" و"حراك الجزائر".

الحدث الذي يتناوله الكتاب مستمرّ ومن يكتبون عنه هم جزء منه

في تقديم الكتاب، يقول المولدي قسومي: "في معالجتنا لحركية المجتمع التونسي خلال سنوات العشرية الأولى لما بعد سقوط النظام القديم، يعسر الفصل بين كل المتغيّرات (...) فالاقتصاد هو سياسي بالضرورة، والثقافة بدوها كانت ولا تزال رهينة السياسة الثقافية". 

إضافة إلى هذا البُعد البوليفوني للكتاب، نقف على اجتهاد المشاركين في "التأصيل المفاهيمي للثورة وتشريح شروطها"، دون أن يعني ذلك الوقوع في السجال الدارج حول تسمية ما حدث في 2011 إن كان ثورة أو انتفاضة أو هبّة شعبية أو انقلاباً من خلال الشارع إلى غير ذلك من التسميات.

لن يخرج قارئ كتاب "حركية المجتمع التونسي في عشرية الثورة" - وهو ينتقل بين طروحات الباحثين المشاركين - بإجابات محدّدة فالحدث الذي يتناوله الكتاب مستمرّ، ومن يكتبون عنه هم جزء منه، مثلهم في ذلك مثل أي قارئ تونسي، لكن أي قارئ يمكنه بعد هذا العمل أن يقف على تعدّد المداخل الممكنة نحو ظاهرة وحيدة. وسيعرف أن هذا التعدّد ليس مجرّد خيار في هيكلة العمل بل إن "الكتاب الجماعي" هو الخيار الأنسب لمقاربة حدث جماعي لا يكف عن التقلّب وبالتالي تتعدّد وجوهه كلما تقدّم في الزمن.

موقف
التحديثات الحية

المساهمون