"تحوّلات".. تحديقٌ مستقرّه المتلقّي

"تحوّلات".. تحديقٌ مستقرّه المتلقّي

05 يونيو 2022
جزء من بورتريه (من المعرض)
+ الخط -

إذا كان التحديق هو الوضعية التي تحكم المُتلقّي باللوحة التشكيلية، فمع فنّ البورتريه قد يغدو الأمر معكوساً نوعاً ما، حيثُ تنصبّ النظرات من العمل الفنّي إلى المتلقّي. هذا التحرّك الانسيابي يحيل إلى آثار متصادية بين الاثنين. في هذا السياق، تمكنُ قراءة معرض "تحوّلات" للفنّان سركيس سيسليان، الذي يحتضنه "غاليري آرنيلي" في بيروت منذ السادس والعشري من أيار/ مايو الماضي وحتى التاسع من حزيران/ يونيو الجاري. 

الوجوه عند سيسليان بقدر ما تأخذ طابعاً استنطاقياً - وهذا يذكّر بما يثيره فينا الوقوف أمام المرآة، وأيّ ذات نشاهد - تستوعب بُعداً ظليلاً أو رمادياً. الظلّ متحرّك وخفيف، لكنّ الفراغ الصامت الذي يستند إليه ثقيل، بمعنى أنّ الوجوه لا تنكشف بانعكاساتها المتعدّدة أمام الزجاج فحسب، إنّما يتيسّر للوحة أيضاً أن تلعب دور الظل وتوقف المتلقّي أمام بُعد نفسي عميق، وهذا ما يتكفّل به شيءٌ من الرمادية اللونية التي تشفّ عنها الأعمال.

الصورة
عمل لسركيس سيسليان - القسم الثقافي
(من المعرض)

وبعد المرايا، عادة ما يقود الحديث عن البورتريهات إلى المقارنة بالصور الفوتوغرافية، حيث نعثر على زمن جامد، في حين أنّ الزمن في لوحات التشكيلي اللبناني الأرمني يخاتل ذلك الجمود بانثيالات لونية حمراء، ربّما هي انعكاس آخر عن الزمن الثقيل الذي تتحرّك فيه الوجوه في بلد يعاني فجائع لا تنتهي. 

الصورة
بورتريه لسركيس سيسليان - القسم الثقافي
(من المعرض)

لا ترتسم وجوه سيسليان بدوائر محدّدة؛ ففيها يظهر فيضٌ من السيولة وكأنّما تنصهر فيها ملامح الشخوص، محاولةٌ لكسر رتابة الفوتوغراف وحدّيته. بينما يبقى شيء من التفاصيل عالق بوجه ما زالَ يرتدي نظّارتَه، في عودة مجدّدة إلى التحديق الذي منطلقه اللوحة ومستقرّه المتلقي.

المساهمون