"العامل الخارجي والانتقال الديمقراطي": زوايا متعدّدة

"العامل الخارجي والانتقال الديمقراطي": زوايا متعدّدة

06 ديسمبر 2021
رسم على جدرار مبتى حكومي خلال الثورة التونسية عام 2011، Getty)
+ الخط -

في أيلول/ سبتمبر عام 2018، نظّم "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" مؤتمره السنوي السابع لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي في مدينة الحمامات التونسية، حول طبيعة الأدوار الإقليمية والدولية، وتأثيراتها في التحولات الاجتماعية والسياسية وفي مسارات الانتقال إلى الديمقراطية في البلدان العربية، بعد ثورات عام 2011.

وتمّ انتقاء مجموعة من الأوراق المقدّمة في المؤتمر لتصدر حديثاً عن المركز في كتاب "العامل الخارجي والانتقال الديمقراطي في الدول العربية" ضمن سلسلة "دراسات التحول الديمقراطي" بتحرير الباحث المصري عبد الفتاح ماضي. 

استهل المفكر عزمي بشارة الفصل الأول "ملاحظات عن العامل الخارجي في الانتقال الديمقراطي" قائلًا إنه "على الرغم من أن هذه الدراسة تُقرّ بأولوية العوامل الداخلية بصورة عامة، فإنها تناقش تأثير البيئة الإقليمية والدولية في صمود نظام استبدادي، وظروف استحضار العامل الخارجي في بعض الحالات بعد انهياره". 

يناقش الكتاب طبيعة الأدوار الإقليمية والدولية في مسارات الانتقال إلى الديمقراطية عربياً

ويستخلص نتائج بحثية عدة، من بينها أن العوامل الخارجية الدولية والإقليمية التي تعرقل عملية التحوّل الديمقراطي تتناسب مع أهمية الدولة الجيوستراتيجية، فتكون أقل تأثيرًا إذا ما كانت البلاد التي تشهد عملية تحوّل ديمقراطي ذات أهمية أقل من الناحية الجيوستراتيجية، ولا سيما في ما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي وإنتاج النفط. وهذا أحد أهم الفروق بين التجربتين المصرية والتونسية؛ إذ كان العامل الخارجي المعوّق للانتقال الديمقراطي أقوى فاعلية في مصر.

تناول عبد الفتاح ماضي في الفصل الثاني أربع إشكاليات متداخلة ذات علاقة بالعامل الخارجي. الأولى هي إشكالية الإرث التاريخي لنشأة الدول القُطرية العربية والدور الخارجي في نشأتها، وأثر ذلك في طبيعة أنظمة الحكم وقابليتها للتغيير نحو الديمقراطية. والثانية هي إشكالية العلاقة الراهنة بين الغرب والعرب التي تقوم على معادلةٍ قوامها حماية النظم المستبدة في مقابل ضمان المصالح الغربية في النفط والتجارة وأمن الكيان الصهيوني. أما الثالثة فإشكالية الإقليم المعادي للديمقراطية، حيث تتشكل مصالح الأطراف الرئيسة بناءً على مخاوفها من الديمقراطية وليس على فوائدها. وأخيرًا، إشكالية جيوستراتيجية تتصل باستخدام الحكومات العربية والغربية خطاب "الحرب على الإرهاب" واستراتيجياتها لأجل ترسيخ القمع والاستبداد وعرقلة الديمقراطية.

الصورة
غلاف الكتاب

في الفصل الثالث، عرض محمد سعدي أطروحة مفادها أن المشروطية الديمقراطية للاتحاد الأوروبي أصبحت تحتاج إلى إعادة نظر معمقة، وإلى تفكير جديد في آليات دعم الإصلاحات السياسية في دول الوطن العربي، بعد الحراك العربي عام 2011. 

يبحث محمد حمشي في الفصل الرابع حدود الدور الذي يؤديه الاتحاد الأوروبي - أو لا يؤديه - في مسارات التحول الديمقراطي في الوطن العربي، وذلك استنادًا إلى مفهوم "الاتحاد الأوروبي بصفته قوة معيارية" في السياسة الدولية. وهو مفهوم يوحي بأن السياسة الخارجية للاتحاد تقوم على مبدأ نقل المعايير ونشرها خارج حدوده، بما في ذلك معيار الديمقراطية. 

بشأن دعم السلطوية في المنطقة العربية، تركز مروة فكري في الفصل الخامس، على حالتي المملكة العربية السعودية وروسيا، باعتبارهما من الدول الإقليمية السلطوية المؤثرة إقليميًا؛ وذلك من خلال الإجابة عن التساؤلين: كيف أدركت الدول السلطوية الإقليمية التحولات الديمقراطية في دول الجوار القريب؟ وكيف أثر ذلك في مسار التحول في الدول المعنية؟ 

يضمّ الكتاب خمس عشرة ورقة قُدنت في المؤتمر الذي عقده المركز العربي عام 2018

يعالج رضوان زيادة في الفصل السادس دور العامل الخارجي وتأثيره في مسار الثورة السورية. ويرى أن مع تحول الثورة إلى ثورة مسلحة، ثم إلى حرب أهلية ونزاع دولي، أصبح للعامل الخارجي تدريجيًّا دور أكبر حتى صار حاسمًا في النهاية، ويكاد أن يكون العامل المؤثر الوحيد.

وفي الفصل السابع، يرى سامي كرم أن ما جرى في سورية منذ اندلاع الثورة في 2011، وحتى الآن، يبرهن على عدم إمكانية دراسة الأدوار الإقليمية في الشرق الأوسط، بمعزل عن الأدوار الدولية للقوى العظمى، فإيران ما كانت لتنتصر في سحق الثورة السورية من دون مساعدة من روسيا، وتركيا ما كانت لتخسر رهانها على الثورة السورية لولا خذلان - إن لم يكن عداء - حلفائها. 

يحلل مهند مصطفى في الفصل الثامن السلوك والمواقف الإسرائيلية تجاه الثورات العربية، وتداخلها مع التطورات التي حدثت منذ اندلاعها في كانون الأول/ ديسمبر 2010، وذلك من خلال دراسة السياسات الإسرائيلية تجاه الحالتين المصرية والسورية تحديدًا، ويعتمد في معالجته على تحليل الخطاب الإسرائيلي من جهة، والسلوك السياسي تجاه بعض دول الثورات، ولا سيما مصر وسورية، من جهة أخرى.

انتهى علاء بيومي في الفصل التاسع إلى جملة من الاستنتاجات، أبرزها أن دور الخارج في الانتقال الديمقراطي هو دور أصيل لا يمكن تلافيه؛ فالخارج يؤثر في بيئة الانتقال الديمقراطي وفي الفاعلين السياسيين، وذاك من خلال أدوات عديدة، أهمها الضغط السياسي المباشر. أما التمويل الدولي للانتقال الديمقراطي، فيحتل مكانة متأخرة ضمن المساعدات الأجنبية مقارنةً بالمساعدات الأمنية والاقتصادية. 

في الشأن المصري أيضًا، يعالج محمد المنشاوي في الفصل العاشر تصور واشنطن لما يجب أن تكون عليه "عقيدة الجيش المصري القتالية" وكيف أفرزت تطورات الأوضاع السياسية في مصر - والمتمثلة في تدخل الجيش في العملية السياسية - فرصة نادرة لواشنطن لفرض تصوراتها والبدء في عملية تغيير فعلي لعقيدة الجيش المصري، بما يتوافق مع تصورات واشنطن ومصالحها التي لا ترتبط على الإطلاق بضرورة تحول مصر في اتجاه الإصلاح السياسي.

تناول عماد حرب في الفصل الحادي عشر الدور الذي أدّته الدول الإقليمية في تحول مصر من تجربتها الديمقراطية القصيرة إلى السلطوية في عام 2013. انطلق الباحث من فرضية رئيسة، مفادها أن قطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة هي الفواعل الأشدّ تأثيرًا في التحول الذي شهدته مصر؛ إذ احترمت قطر إرادة المصريين في التحول من الحكم السلطوي إلى الديمقراطية، بينما أحبطت بقية الدول المذكورة البداية الديمقراطية، وساعدت على إعادة تأسيس السلطوية في مصر. 

ترى دانا الكرد في الفصل الثاني عشر أن القدرة على التعبئة الجماعية الداخلية أصبحت، على نحو متزايد، مرهونة بفاعلين دوليين، وتحديدًا الفاعلين المهيمنين منهم في دعم الانتقال إلى الديمقراطية أو معارضته، وتختبر الباحثة حالتَي بوليفيا ومصر، من خلال دور الولايات المتحدة، بصفتها فاعلًا دوليًا، في التأثير في التعبئة الجماعية فيهما. 

في الفصل الثالث عشر، يدرس أحمد قاسم حسين الصراع الدائر في ليبيا وتداخلاته الإقليمية والدولية، مع التركيز على المرحلة التي أعقبت توقيع الاتفاق السياسي الليبي في مدينة الصخيرات المغربية في كانون الأول /ديسمبر 2015. 

ويسائل محمد أحمد بنيس في الفصل الرابع عشر دور العوامل الخارجية في استقرار السلطوية المغربية على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة، ويطرح تساؤلات عدة، أهمها: كيف ساهمت العوامل الخارجية في استقرار السلطوية المغربية عبر تشجيعها على لبرلة بناها وسلوكها ضمن حدود معيّنة لا تسمح بالتحول نحو الديمقراطية؟ وكيف عبّأ الفاعلون الخارجيون مختلف الموارد للتأثير في مشروع التحول الديمقراطي في المغرب؟ 

يتوقف أحمد إدعلي في الفصل الخامس عشر عند الحالة اليمنية، منطلقًا من فرضية أن العوامل الإقليمية تكتسي أهمية بالغة، ربما تفوق أثر العوامل الداخلية، في تفسير مآلات الثورة اليمنية، موضحاً أن التدخلات السعودية والإيرانية في اليمن ساهمت في إجهاض الانتقال إلى الديمقراطية هناك؛ فتنافسُ الدولتين على الريادة والنفوذ الإقليمي، وخشية السعودية من نجاح تجربة ديمقراطية في فنائها الخلفي، وتطلّع إيران إلى استغلال الموجة الثورية لتعزيز نفوذها، كلها متغيرات جعلت اليمن ساحة لمواجهات متعددة وُظّفت فيها أدوات ناعمة وأخرى صلبة. 
 

المساهمون