'المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات": عشر سنوات في عشرة كتب
'المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات": عشر سنوات في عشرة كتب
مرّت عشر سنوات على إطلاق "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، الذي شكّلت مسألة النشْر وسدّ الثغرات في المكتبة الفكرية العربية واحداً من أبرز مشاريعه. هنا إضاءةٌ على عددٍ من هذه العناوين التي أصدرها، وتذكيرٌ بالإضافات التي تمثّلها، مع الاعتراف بصعوبة المهمة مع وجود أكثر من 350 إصداراً.
الدين والعلمانية في سياق تاريخي (2012 - 2014) - عزمي بشارة
لعلّها أوسع مغامرة في حقل تاريخ الأفكار عرفتها الثقافة العربية، حيث تقصّى المفكّر العربي عزمي بشارة (في جزأين وثلاثة مجلّدات) مجموعةً من المفاهيم المتشابكة، والفاعلة في واقعنا، مثل الدين والعلمانية وما يرتبط بهما من مفاهيم محايثة مثل التديّن والأخلاق والسياسة والعلم والأسطورة.
قدّم بشارة أيضاً، في هذا العمل، مجموعة من الأطروحات الأساسية لفهم واقعنا العربي الراهن، ومن أبرزها مقاربته لمسألة "الإسلام والديمقراطية" التي ينشغل بها النقاش العربي اليوم، والتي يرى فيها "إشكاليّةً وهميّة"، مؤكّداً أنّ ما يستحق البحث هو علاقة أنماط التديّن بالديمقراطية.
التراث المعجمي العربي (2020) - رمزي منير بعلبكي
يقدّم هذ الكتاب قراءة موسّعة في تاريخ المعجميّة العربية، متوقّفاً لدى مرحلة من الضروري استعادتها في وقتنا الراهن الذي يشهد حاجةً بالغة إلى تطوير الكفاءات المعجميّة مع التحوّلات التي تعرفها العربية منذ قرنين.
يعود اللغويّ اللبناني إلى التبلورات البعيدة للصنعة المعجمية المترافقة مع نزعة إلى "جمع اللغة العربية" للحفاظ على نقائها مع اختلاط العرب بشعوب كثيرة إثر فترة توسّع الإسلام. ومن ثمّ ينطلق بعلبكي في شرح تفرّعات الصناعة المعجمية، التي يشير تنوّعها إلى قدرات العربية على الإحاطة بالعالم.
المجتمع والإسلام والنخب الإصلاحية في تونس والجزائر (2018) - عبد اللطيف الهرماسي
بأدوات علم الاجتماع التاريخي، يقدّم الباحث التونسي مقاربة لإحدى أبرز إشكاليات الثقافة العربية المعاصرة، والمتمثّلة بإخفاق جميع المحاولات الإصلاحية ضمن ثنائية التراث والحداثة، من خلال نموذجي تونس والجزائر.
يبدأ العمل بإضاءة موسّعة للموروثين السياسي والديني في البلدين، ثمّ يمرّ إلى ما يسمّيها "الصدمة الاستعمارية"، والتي كانت سبباً في تدهور مؤسّساتٍ تمثّل ضمانة للاستقرار الاجتماعي، بما طرحه الوضع الجديد من أسئلة مربكة. ويقترح المؤلّف تفسيرات لنشوء نخبة إصلاحية يحاول أن يفهم مرجعياتها والرهانات التي كانت تحرّكها.
تاريخ التأريخ: اتجاهات، مدارس، مناهج (2012) - وجيه كوثراني
ينشغل هذا الكتاب بعلاقة المعرفة التاريخيّة بالتفكير العلمي، ومنها إشكاليّة وصف التاريخ بكونه علماً. ضمن هذه المقاربة، يتابع كوثراني أثر مفهوم التاريخ في مراحل وجغرافيات متنوّعة، بما فيها الثقافة العربية، وفيها يفسّر كيف تطوّرت عمليات التأريخ من الإسناد في رواية الحديث ونقل الخبر في السِّير والتراجم إلى اعتماد مناهج البحث الأكاديميّة الحديثة.
ينشغل الكتاب أيضاً بإشكاليات لغوية، ومنها مبحثٌ حول العلاقة بين مفهوم "أسطوريا" اليونانيّ، والذي تنحدر منه تسميات التاريخ كحقل علمي في الثقافات الأوروبية، ومفردة "أُسطورة" العربية.
هايدغر والفكر العربي (2015) - مشير عون
قليلةٌ هي دراسات التلقّي في الثقافة العربية، على الرغم من أهمية أبحاث كهذه، خصوصاً حين نعلم أنّ معظم النشاط ضمن العلوم الإنسانية عربياً يقوم على مفاهيم آتية من الغرب. من أبرز الدراسات في هذا الإطار، كتاب "هايدغر والفكر العربي" (ترجمة إيلي أنيس نجم) الذي يرسم علاقة هذا الفيلسوف الألماني الإشكالي مع المثقفين العرب، إذ يلاحظ مشير أنّه "لم يُثِرْ في العالم العربيّ أيّ شغف عقليّ، كما أنّه لم يمارس البتّة أيّ إغواء أيديولوجيّ".
ويلفت المؤلّف إلى أنّ التعقيد الذي طبع فكر هايدغر والراديكاليّة التي لازمته جعلا منه مفكّراً تصعب إحاطته في حدود ما يستطيع العقل العربيّ الحاليّ أن يتفكّر فيه.
المأزق العالمي للديمقراطية: بلوغ لحظة التحوّل (2018) - عصام فاهم العامري
تبدو الديمقراطية هدفاً أسمى تسعى له المجتمعات العربية، وتخفق في ذلك غالباً. وهو ما يزيد من مثْلنة شكل الحكم هذا في تنظيم الحياة السياسية. هذا الوضع يغفل إشكاليات تتعلّق بالنموذج الديمقراطي، وهو الأمر الذي يتصدّى له كتاب عصام فاهم العامري حين يدرس واقع الديمقراطية اليوم في العالم ويستشرف مستقبل سياساتها.
يرى المؤلف أنّ الديمقراطية تواجه مأزقاً عالمياً بسبب التحوّلات العالمية الكبرى، إذ كثيراً ما تنحدر إلى شكل من أشكال الدكتاتورية والقيصرية، ما يعني دخولها في ما يسمّيه بـ"نقطة اللاعودة".
الهوية العربية والأمن اللغوي (2014) - عبد السلام المسدّي
في كتابه الصادر عام 2011 بعنوان "العرب والانتحار اللغوي"، كان عالم اللسانيات التونسي قد طرح مجموعة من الإشكاليات التي تمثّل خطراً على مستقبل الثقافة العربية. وفي عمله "الهوية العربية والأمن اللغوي" يبدو كأنّه يريد أن يفحص مجموعةً من المبادرات التي تهدف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
يقدّم المسدّي مسرداً يبوِّب فيه تواريخ الأحداث والمبادرات والمشاريع ذات العلاقة بالسياسات اللغوية طبقاً لتسلسلها الزمني. يحمل الكتاب بُعداً ذاتياً أيضاً، فتناول هذه المبادرات يأتي من زاوية مثقّفٍ مشارك في جهود تأهيل العربية المعاصرة.
الحرية والعنف (2018) - جورج زيناتي
ألا يشكّل مفهوم الحرية الوهم الأكبر الذي أضفاه الإنسان على نفسه عبر العصور المختلفة، كي يخفي حقيقته عن نفسه؟ هذه هي الإشكالية التي تصدّى لها زيناتي في أطروحة الدكتوراه التي أنجزها في فرنسا تحت إشراف بول ريكور، ولم تصل إلى اللسان العربي إلاّ بترجمته لها، التي صدرت عن "المركز العربي" في 2018.
يتميّز الكتاب بذهابه رأساً إلى مجموعة من الإشكاليات المتعلّقة بالحرية من خلال وضعها تحت محكّ مفاهيم أخرى مثل المسؤولية والعمل والفاعلية والمطلق والعنف. كما يقدّم نظرة نقدية في مبحث "فلسفة الحرية" في الثقافة الحديثة.
القضايا الاجتماعية الكبرى في العالم العربي (2019) - عبد الرحمن الشهبندر
ضمن سلسلة "طيّ الذاكرة" جرت استعادة كتاب "قضايا الاجتماعية الكبرى في العالم العربي" الذي صدر أوّل مرة في عام 1936، وهو مؤلّف من مجموعة من المقالات التي تتناول عدداً من الأسئلة حول مفاهيم مثل الدولة، وعلاقة الحكومة بالرعيّة، وارتباط المذاهب السياسية بمتطلبات المجتمعات، والوطنية، والزعامة، والثورة، والدين والثقافة.
المفارقة، أنّ معظم الموضوعات التي أتى عليها المثقف السوري عبد الرحمن الشهبندر في بداية القرن العشرين؛ لا تبتعد كثيراً عن موضوعات بداية القرن الحادي والعشرين.
صور موت الفلسطيني (2015) - إسماعيل ناشف
انطلاقاً من فرضية أنثروبولوجية مفادُها أنّ طريقة موت الإنسان (المرض والقتل والموت الطبيعي...) مرهونة إلى حدٍّ بعيد بشكل النظام الاجتماعي الذي يعيش فيه؛ يقدّم إسماعيل ناشف قراءةً في واقع المجتمع الفلسطيني منذ أواسط القرن التاسع عشر، الذي تعرّض لممارساتٍ متتالية من العنف أقدَم عليها النظام الاستعماري البريطاني ثم الصهيونية.
من خلال هذه الدراسة، يحاول ناشف أن يفهم كيف ينتج الشعب الفلسطيني ذواته بأشكال متعدّدة من الوجود الاجتماعي والاقتصادي، معتبراً أنّ المقاومة - وهي احتكاكٌ آخر بالموت - كانت إحدى آليّات إنتاج الإنسان الفلسطيني لكينونته الفردية والجماعية.
* في نهاية 2018، جرى الإعلان عن إطلاق موقع إلكتروني لـ"معجم الدوحة التاريخي للغة العربية" ونشْر نِتاج الجزء الأوّل منه. يمكن اعتبار هذا العمل في طليعة المساهمات التي قدّمها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" إلى الثقافة العربيّة اليوم. لا تكمن أهمّية المعجم، فحسب، في ما يقدّمه من خدمات لغوية للناطقين بالضاد، عبر العودة إلى تاريخ مفرداتها، بل أيضاً بتغذيته مختلف قطاعات المعرفة وربطه في ما بينها.
