"البحث عن الأعمال المفقودة": خلف أسرار جياكوميتي

"البحث عن الأعمال المفقودة": خلف أسرار جياكوميتي

30 ابريل 2020
(ألبيرتو جياكوميتي)
+ الخط -

عند الحديث عن التحقيقات الصحافية، تتجه الأذهان عادة إلى البحث في كواليس أحداث سياسية أو صفقات تجارية، وقلما يكون موضوع التحقيق في مجال الفنون، وكأن مجالات مثل السياسة والاقتصاد أكثر فتنة من الفن.

في عملها الأخير "ألبيرتو جياكوميتي: البحث عن الأعمال المفقودة" (الصادر عن منشورات "فاج")، تحاول الكاتبة الفرنسية ميشيل كيفر أن تفنّد هذا التصوّر من خلال الغوص في عوالم النحات السويسري بأدوات الصحافة الاستقصائية.

وإذا كانت كيفر تحيل في عنوانها إلى رواية "البحث عن الزمن المفقود" لمارسيل بروست، فإنها لا تستدعي شيئاً من أسلوبه الأدبي أو "منهجه" في اعتماد تقنية تداعي الأفكار والتعويل على الذاكرة الشعورية، وإنما ترسم مساراتها ضمن مغامرة حقيقية للبحث عن عمال فنية لجياكوميتي، كان قد تخلّى عنها ضمن موجات غضب وشكّ كان يعيشها من حين إلى آخر، سواء بتركها غير تامة أو بمنحها لأحد معارفه دون توقيع.

تشير المؤلفة إلى أن تقييم الفنان السويسري لأعماله لا يمكن أن تمثّل مسلّمة بالنسبة للمتلقي، حيث تثبت أن عدداً من أعماله رفض أن تخرج من مشغله في باريس لأي غاليري أو حتى للاقتناء الشخصي رغم أنها كانت مكتملة فنيا مقارنة بأعمال أخرى حققت نجاحات ووثّق جياكوميتي بنفسه رضاه عنه.

تفتح هذه الإشارة على بعد آخر في تحقيق كيفر، وهو العالم النفسي للنحّات السويسري، وهنا تشير إلى أنه كان يعاني من اضطرابات نفسية حادة تتجلى خصوصاً كلما كان هناك حضور بشري قريب منه، أي حين يعتمد على متعاونين أو موديلات أو ينسّق معرضه مع المشرفين على الغاليرهات والمتاحف. تؤكّد كيفر أن هذه المحطات من الاحتكاك كانت تصحبها مرحلة تقييمات تكون قاسية للغاية، وبالتالي فإن الكثير من أعمال جاكوميتي - والتي يكون جزء كبير منها مكتملاً - قد حكم عليها بالإتلاف أو الإهمال لأسباب بعيدة كل البعد عن المعايير الفنية.

على مستوى آخر، مضى التحقيق في محاولة لرصد مجموعة الأعمال المتروكة أو المنسية لجاكوميتي، وبذلك فإن الكتاب قد تحوّل إلى عملية تأريخ فنّي باعتبار أنه يكمل الصورة المنقوصة لمنجز جياكوميتي الإبداعي.

المساهمون