عربات بائسة مهجورة

عربات بائسة مهجورة

26 اغسطس 2018
ناديا أودالتسوفا/ أوكرانيا
+ الخط -

أسفرت الجهود المشتركة التي بذلها شبوليانسكي والميكانيكي في إعداد العربات المصفحة عن نتائج غريبة بعض الشيء. فبحلول صباح الرابع عشر من ديسمبر أصبح ثلاث من الأربع عربات، التي كانت في حالة ممتازة (الرابعة كانت في مهمة بالفعل تحت قيادة ستراشكيفيتش)، متعذر تحريكها تماماً كما لو أنها قد ابتليت بالشلل.

لم يفهم أحد ماذا حل بالعربات على وجه التحديد. كانت هناك بعض القذارة بالمحرّك، وعلى كل المحاولات لتخليصه منها بالمضخّات، لم يُجد أي شيء.

في هذا الصباح أخذوا يعملون في يأس تحت ضوء المصباح لإصلاح العربات. بوجه شاحب، رمق الكابتن بليشكو المكان من حوله كالذئب واستدعى الميكانيكي، حينها تحوّل الأمر إلى كارثة حقيقية. لقد اختفى الميكانيكي، وفي مخالفة صريحة لكافة التعليمات واللوائح اتضح أن قيادة الفصيلة ليس لديها أي عنوان له. وسرعان ما تناثرت الإشاعات حول مرض الميكانيكي المفاجئ بالتيفوس.

كان هذا في الثامنة صباحاً، وفي الثامنة والنصف تلقى الكابتن بليشكو ضربة أخرى، فبعد أن أنهى شبوليانسكي عمله في إصلاح العربات في الرابعة صباحًا ذهب إلى بتشيورسك على متن دراجة نارية يقودها شور ولم يعد حتى الآن.

عاد شور بمفرده ليروي قصة حزينة: لقد سارا حتى تيليخا بالجزء العلوي من المدينة، حيث حاول شور هناك عبثًا أن يثني شبوليانسكي عن القيام بأيّ فعل طائش. أمّا شبوليانسكي الذي يتمتّع بسمعة ممتازة في الفصيلة كلّها بفضل شجاعته الاستثنائية فترك شور، ومضى وحده بعد أن تناول بندقية صغيرة وقنبلة يدوية تحت جنح الظلام، ليستطلع المنطقة المحيطة بقضبان السكة الحديد.

سمع شور بعض طلقات الرصاص، وأصبح على قناعة تامة بأن شبوليانسكي قد قُتِل من قبل دورية حراسة تخص العدو كانت هناك عند تيليخا بعد أن اندلعت معركة غير متكافئة.

انتظر شور ساعتين، مع أن شبوليانسكي كان قد أمره بعدم انتظار عودته أكثر من ساعة يعود بعدها إلى قيادة الفصيلة، حتى لا يُعرِّض نفسه أو يُعرِّض الدراجة النارية إلى أي خطر.

ما إن سمع قصة شور حتى ازداد وجه الكابتن بليشكو شحوباً. ظلت الهواتف الميدانية من مراكز القيادة التي لهيتمان والجنرال كرتوزوف ترنّ دون توقّف تطلب بإلحاح العربات المدرّعة كي تذهب إلى ميدان القتال.

في التاسعة عاد ستراشكيفيتش بوجهه الحادّ القوي الوردي من أرض المعركة، وانتقلت بعض ألوان خدوده إلى وجه قائد الفصيلة ذاته. ساق ستراشكيفيتش سيارته إلى بيتشيورسك حيث تمكّن بناء على روايته من سدّ شارع سوفوروفسكايا ليمنع تقدّم قوات بولبوتون.

بحلول العاشرة صباحاً، ازداد شحوب وجه بليشكو أكثر فأكثر. اختفى اثنان من رماة البنادق واثنان من السائقين، وأحد رماة المدافع الرشاشة... اختفوا جميعاً دون أثر، ولم تسفر أي جهود لإصلاح العربات الثلاث عن شيء سوى الفشل، ولم يعد شور الذي كلفه الكابتن بليشكو بمهمة أبدًا. غني عن القول بالطبع أن الدراجة النارية اختفت معه.

ازدادت حدة التليفونات وأصبحت تهدده، وكلما يمر الوقت كلما تزداد الأمور غرابة في فصيلة العربات المدرعة: اختفى اثنان آخران من الرماة: دوفان ومالتسيف، واثنان من رماة المدافع
الرشاشة.

أصبحت العربات بائسة مهجورة مهملة، وهي تقف هناك كثلاثة قرابين في انتظار التضحية بها، تحيطها مجموعة من المفاتيح والكواريك والدلاء.
بحلول الظهيرة اختفى قائد الفصيلة كابتن بليشكو هو الآخر.


* مقطع من رواية "الحرس الأبيض" التي صدرت مؤخراً عن دار "الخان" بترجمة يوسف نبيل

دلالات

المساهمون