قرأت لك: أول 20 ساعة (1)

قرأت لك: أول 20 ساعة (1)

08 ابريل 2020
+ الخط -
تميَّز كتاب ستيف هارفي "كيف نحصل دائمًا على ما نريد" بانطلاقه من تجربة شخصية وتمحوره حولها، ليس كتابًا يبيع أوهامًا أو يروّج لجمل مستهلكة، والأمر نفسه ينطبق على كتاب جوش كوفمان "أول 20 ساعة.. كيف تتعلم أي شيء بسرعة"، وقبل نحكم على الجواب من عنوانه، يتعين علينا قراءة الكتاب، أو حتى المقدمة لتشي لنا بمعلومة مهمة، وتفك التباسًا قد يقع فيه المتسرع.

يعد كتاب كوفمان من بين الكتب الموائمة لهذه المرحلة، إذ إن جلوسك في البيت لأوقات طويلة ومتصلة يُشعرك بالملل، وهذا أنسب وقت لمحاولة تعلم أشياء جديدة، كسرًا للرتابة والتماسًا للإفادة، ولأن ليس بالإمكان أفضل من التجربة؛ فلماذا لا تحاول الآن ما لم تحاوله سلفًا؟! يمكنك أن تجرّب طريقة كوفمان، لربما اقتادتك إلى عوالم جديدة من الإتقان والمهارة.

بدايةً، يخلع كوفمان تعبير "حاجز الإحباط" على أول 20 ساعة تحاول فيها تعلم مهارة جديدة، ويصمم كتابه على هذه الفكرة بالدرجة الأولى، بذلك يفض كوفمان اشتباكًا ويُجلي جملة من الغوامض، إذ إن طبيب التجميل خلال ستينيات القرن الماضي، ماكسويل مالتز، روَّج فكرةً تلقفتها كتب التنمية البشرية، مفادها أن المرء يحتاج 21 يومًا لتكوين عادة جديدة، ونشر ذلك في كتابه علم التحكم النفسي psycho-cybernetics الصادر سنة 1960.

الكتب الجديدة في المضمار ذاته مثل كتاب "قوة العادات"، وكتاب "صنع العادات، كسر العادات"، فندت مزاعم مالتز حول الـ21 يومًا (504 ساعات)؛ فما بالك بمعالجتها مسألة 20 ساعة فحسب! هنا نحتكم إلى تعبير كوفمان "حاجز الإحباط"؛ فإنه لا يدعي تبني المرء للشيء الجديد وضمِّه إلى عاداته الجديدة، ولا حتى إدخال هذا الشيء إلى حيز الاهتمامات، لكنه يركز على مسألة كسر حاجز الإحباط؛ فماذا يقصد بحاجز الإحباط؟


عندما تحاول دخول أرضٍ جديدة فإن ثمة حواجز تعترض طريقك، تشدك عوامل عدة إلى البقاء في دائرة راحتك، تخشى أن يُخدش كبرياؤك، لا تريد أن تبدو - كما كنت في بواكير حياتك - ساذجًا، لا سيّما وأنت تتقن عملًا ما يرضي غرورك، وتدعي أنك من العالمين ببواطن أموره؛ فلماذا المجازفة بدخول مضمار لا تعرف عنه قليلًا ولا كثيرًا؟ هذا هو حاجز الإحباط، وكسره يتطلب شجاعة؛ فإذا انتصرت وأسقطت جدار العزلة وقفزت على حاجز الإحباط ستمضي في رحلتك نحو إتقان الشيء/ المهارة بدرجة كبيرة.

يتذرع كثيرون بضيق الوقت، كان ذلك قبل جائحة كورونا، في حين تحتاج المهارة إلى وقتٍ ومجهود، وقد وفر لك الظرف الراهن مزيدًا من الوقت، عليك الآن أن تبذل المجهود، وإذا كنت صادق النية فإنك ستُنجز أعمالًا تفخر بها دائمًا. الأمر لا يتوقف عند هذه الساعات العشرين، أنت تدرك جيدًا أن الخبرة تستلزم قدرًا من المهارة، والمهارة تُبنى على مثابرة وإتقان وطول ممارسة، لكنك في غضون 20 ساعة (1200 دقيقة) ستتجاوز مخاوفك، وتتحدى نفسك لبدء مغامرة جديدة.

يصف كوفمان طريقة عامة، ما يجعلها تصلح لاكتساب أي مهارة؛ الحديث أمام جمهور، تعلم لغة جديدة، كتابة رواية، إدارة مشروع وغير ذلك من المهارات المهمة. يُطلب منك المواظبة على ممارسة يومية بواقع 90 دقيقة، وبعد نحو 13 يومًا (1200/90= 13.3) ستجد تحسنًا كبيرًا في قدراتك، وإقبالًا على تعلم هذه المهارة، بشرط أن تقضي هذه المدة في العمل على تحسين المهارة، وليس مجرد قضاء وقت وتعبئة فراغ.

للمرة الثانية، يصطدم كوفمان مع تنظير آخر؛ ففي 2008 أصدر مالكوم جلادويل كتابًا عنوانه "المتميزون: قصة النجاح"، حاول خلاله التوصل إلى قدرة البعض على تحقيق نجاح أقوى من غيرهم، ومن بين استنتاجاته وُلدت قاعدة "10 آلاف ساعة"، واستند فيها إلى أبحاثٍ أجراها الأكاديمي بجامعة فلوريدا، كيه آندرز إريكسون، ومفادها أن المستوى الاحترافي في الأداء يستلزم 10 آلاف ساعة من التدريب المقصود، ونلاحظ أن كلمة (المقصود) من محددات التعريف، بمعنى أن التدريب موجَّه ويعتمد على التركيز، وإلا فالنتيجة قد تتأخر أو تغيب بالكلية.

بمسألة حسابية بسيطة، نصل إلى توقيت مغاير لإتقان المهارة، فإن 10 آلاف ساعة تدريب مقصود تشير إلى 8 ساعات تدريب مقصود، باستبعاد وقت الراحة وتناول الطعام وأداء الصلوات، فضلًا عن استبعاد العطلات والإجازات، ويستوجب ثلاث سنوات ونصف من التدريب (المقصود)، وفي حالة دخول وقت الراحة والعطلات والإجازات، يتمدد الزمن المطلوب لإتقان المهارة.

في الظروف العادية، يبلغ عدد ساعات العمل الفعلية 8 ساعات، تتخللها ساعة لأداء الصلوات وتناول الطعام، ما يصل بساعات العمل إلى نحو 260 ساعة سنويًا، وعندها يستغرق إتقان المهارة 5 سنوات. تتناقض هذه الحسابات مع أطروحة كوفمان، لكن وللمرة الثانية -أيضًا- نعود إلى تعبير "حاجز الإحباط"؛ فالكتاب لا يقدِّم حلولًا سحرية ولا يعدك بأساطير فورية، بل يساعدك على قهر رهبة تقحُّم أراضٍ جديدة، وهذا - في حد ذاته - إنجاز.

لا يتحدث كوفمان من منطلقات نظرية، يخبرك أنه تعلم 6 مهارات في 20 ساعة، وبهذا ينقل إليك تجربة تستحق التكرار، وقد تستبد بك الدهشة إذا علمت مفاجأة جديدة، مؤداها أنك لست في حاجة لقراءة الكتاب بأكمله، يمكنك أن تكتفي بقراءة 39 صفحة فقط من أصل 274 صفحة! لا يقدح ذلك في مضمون 235 صفحة من كتاب "أول 20 ساعة"، وإنما الأمر مختلف.

تختلف المهارات المدرجة على قائمة اهتماماتك عن غيرك، اختار كوفمان 6 مهارات تروقه؛ اليوغا، برمجة الحاسوب، الكتابة على لوحة المفاتيح بطريقة اللمس، تعلُّم لعبة Go القديمة والمعقدة، العزف على غيتار الأوكليلي، والتزلج الشراعي على الماء؛ وهذا مبرر الاكتفاء بقراءة أساسيات، تفيد منها في خوض تجربتك الخاصة، وتوظِّفها في تعلم مهارات أخرى، لا سيّما والعنوان يقول "كيف تتعلم (أي شيء) بسرعة".