متى يحين الوقت؟

متى يحين الوقت؟

29 ابريل 2020
+ الخط -
الأحلام في عالمنا العربي آجلة، كذلك الحقوق، وكل ذلك بفضل التريث، إذ يجب أن يكون الوقت مناسباً. من المعيب أن تطالب بحقك في الضمان الاجتماعي، وغيرك لا يجد حق الحياة. من المعيب أن تطالب المرأة بتكافؤ الأجور، وحال الصحة في تدهور. من المعيب أن تطالب بحقك في المواطنة، وغيرك لا يجد رغيف الخبز. وهكذا دواليك، تجد أن المآسي المتواترة في العالم العربي تضفي شرعية على التقاعس في استيفاء الحقوق، بل تجد أن من يطالب بحق يعتبر كمالية بالنسبة إلى غيره يطالب به بخجل ويبدو معتذراً عما فعل وعمّا لم يفعل، فقط لأنه تجرأ في الوقت غير المناسب.

قبل فترة كانت زوبعة صفقة القرن التي يمكن الإسرائيلي تمريرها بكل سهولة في خضم كورونا، فلو دكت أساسات المسجد الأقصى من ليلتها لما كان أحد لينتبه، فالحظر مفروض على "العدو" والصديق.

خلال الزوبعة، شعر الأردني بالخجل من المطالبة بأي حق له، فأي حق هذا الذي يستحق أولوية على فلسطين. هدأت الزوبعة، وليس هدوءُها صدفة لتحلّ محلها زوبعة من نوع آخر، اجتاحت العالم بأسره، والمثير للاهتمام بشأنها أن الإرهاب أصيب بالشلل يوم انشغل العالم الغربي بشلله. حل الوباء ليضطر المواطن الأردني إلى أن يبلع لسانه، فليس هذا بالوقت المناسب للمطالبة بحقوقه.

منذ الاحتلال الإسرائيلي، والأردني يؤجل أحلامه وحقوقه، فلا هي تحققت، ولا الأرض تحررت، بل أصبح يعيش دوامة المصيبة التي لا يعايشها بل يعايش أثرها كل حين. فلسطين، العراق، لبنان، سوريا، ليبيا، اليمن إلخ. وتراه كريماً مضيافاً يستقبل الجميع ويكرم وفادتهم.


أتراه أخطأ حين احترم شعور غيره؟ بالطبع لا، ففي ذلك قمة الإنسانية، لكن انتظار الوقت المثالي الذي لن يأتي أبداً بين بني الإنسان من شأنه أن يعيق حتى التحرر، كيف لا والأردني محبط كيفما توجه؟ من هذا المنطلق، تحصيل الحقوق وتحقيق الأحلام العاجلة من شأنه أن يجعل الإنسان في حال أفضل يدفعه لتحرير الأرض. أما في دوامته هذه، فسيصل إلى مرحلة من العوز ينادي فيها بـ"اللهم نفسي" وينبذ قضايا الأمة كلها.

الحال هنا حال قانوني التنفيذ والملكية، ففي تعديل أقرّه مجلس الوزراء أخيراً، أصبح بإمكان البنوك أن تستحوذ على عقار محجوز بسبب الدين، بأن تقدم مزايدة بعشر ثمن تخمينه وتحصل عليه. قبل التعديل، نص القانون على أن قيمة العقار يجب ألّا تقل في أي حال عن خمس وسبعين بالمائة من قيمة تخمينه من قبل الجهات المختصة.

الأردني يحلم بالعقار من دار أو قطعة أرض أو سواها ضمانةً له ولأولاده. اليوم، إذا تعرض للإفلاس يمكن أن يستحوذ البنك على العقار، ليس مقابل قيمته العادلة ولا معظم قيمة تخمينه - بحسب القانون قبل التعديل - بل مقابل عشرة بالمائة من قيمة تخمينه، هذا ما جاء في التعديل.

كمثالٍ على ذلك، إذا كان على زيد قرض رهن بيته ضمانةً له، ثم تعثر في السداد، وقيّمت دائرة الأراضي هذا البيت بمائة دينار، يمكن أن يقدم البنك مزايدة بحد أدنى عشرة دنانير ويحصل عليه، فيخسر زيد بيته ولا يتمكن حتى من تسديد قرضه. ينتهي به المطاف في السجن وتستفيد البنوك بأن تستحوذ على العقارات بفتات من ثمنها، بينما تستمر في فرض الفائدة على باقي مبلغ القرض غير المسدد.

سيتساءل سائل كيف أقر هذا التعديل وكيف جرت دراسته. في الواقع، لم تجرِ دراسته، بل أقرّه فريق عمل سابق في أحد البنوك الأردنية! شغل رئيس الوزراء الحالي عمر الرزاز منصب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي خلفاً لرجائي المعشر. ولما تسلّم عمر الرزاز منصب رئاسة الوزراء، أتى برجائي المعشر نائباً له، وعيّن كلاً من مستشارة البنك الأهلي السابقة هالة زواتي وزيرة للطاقة والثروة المعدنية، والعضو السابق في مجلس إدارة البنك الأهلي طارق حموري وزيراً للصناعة والتجارة، ثم أقرّ مجلس الوزراء هذا التعديل الذي كان عصيّاً على البنوك لسنوات طويلة.

لا يجوز أن نتحدث في قانون اليوم ونحن نمرّ في أزمة وباء، فالوقت ليس مناسباً! أليس الأمر مرتبطاً بعضه ببعض؟! المواطن الأردني يعيش على الاقتراض من البنوك، ولا يتدبر أمره دون ذلك، واليوم سبّب الوباء وقف حال أصحاب العمل والموظفين على حد سواء، وكلهم مقترضون من البنوك، منهم من سيغلق محل عمله، ومنهم من سيخفض راتبه أو يُستغنى عن خدماته. أين سيؤول بهم الأمر؟ سيتعثرون في سداد القروض التي أخذوها من البنوك بضمانة عقاراتهم، ثم ستستحوذ على عقاراتهم تلك البنوك برخيص ثمن لن يسدد قروضهم أو يكفيهم الحاجة أو حتى يجنبهم السجن!

تنتهي الأزمة ويزداد اقتصاد المواطن الأردني تردياً، وهو منشغل بمتلازمة استوكهولم، يشكر فيها صنيع رئيس الوزراء الذي يحرص عليه في العاجل ويمتص دماءه في الآجل، فيظهر الأخير بصفحة بيضاء ناصعة، بينما يستفيد من الأمر كله من خلف الكواليس.
7FC6A4CD-A8B6-4087-9F76-D3445B3C154B
سالم حسنات

باحث ومحلل أردني معني بالشؤون المحلية