أرض العزم أم أرض الفساد المتنكر؟

أرض العزم أم أرض الفساد المتنكر؟

14 يونيو 2020
+ الخط -
وجد نقيب الجيولوجيين الأردنيين كنزاً تقدر قيمته بعشرات مليارات الدولارات، كان ذلك وما زال الذهب الأردني بامتياز، الفوسفات! ولكن الفرحة لم تكتمل، فللكنز جن رصد يمنع أي أردني من الاقتراب منه دون أن يطاوله مسّ من الجن، وقد قررنا الاقتراب منه ولم نسلم من المس، ليس مس الجان، بل مس قصة نهب ثروة وطنية تبلغ قيمتها عشرات المليارات، قصة أقرب للخيال منها للواقع، وتبدأ بخلاف باقي الحكايات، بـ"يكون ما يكون".

لتكون الثروة وطنية بامتياز، اتفق على أن تحتكر شركة مناجم الفوسفات الأردنية استغلال خامات الفوسفات في الأردن، أو هكذا بدا، فامتلكت الشركة الحق الحصري في استغلال المادة الخام، ما يعني أن الجن الذي يرصد الكنز اسمه "شركة مناجم الفوسفات" ولا يمكن لأي طرف أن يستغل المادة الخام التي ستدر ثروة على البلاد من دون أن يرضى عنه الجن الرصد.

عندما حاول نقيب الجيولوجيين أن يجد طريقة تستفيد بواسطتها البلاد من هذه الثروة الهائلة وجد الجن له بالمرصاد، ففكر وفكر، لا بد من أن يعرف من وضع اللعنة على هذا الكنز ليتمكن من إبطال مفعولها، فيعيش الأردنيون في رخاء مادة خام تعتبر بلادهم الثانية عربياً في مصدرها، وربما لو نقبوا أكثر لتفوقت على العالم.

ما كانت خيوط اللعنة؟

عام 2006، قامت شركة مناجم الفوسفات الأردنية ببيع 37% من أسهمها لشركة تدعى "كامل هولدنغ ليمتد" قيل إنها شركة تعود ملكيتها لسلطنة بروناي، وبذلك أصبحت بروناي مارد الجان الذي يحرك شركة مناجم الفوسفات الأردنية، إذ إنها تمتلك أغلبية أسهمها، وبما أن شركة مناجم الفوسفات تملك الحق الحصري باستغلال مادة الفوسفات في الأردن، فقد أصبح استغلال تلك المادة بموجب هذه الاتفاقية رهناً برضا سلطان بروناي.


لندع جدلية خيانة الوطن بتمليك أمر ثروته الوطنية لجهة أجنبية مقابل صرة من مال جانباً، المثير في أمر هذه الشركة أنها غير موجودة، أي أنها شركة وهمية وهي إن وجدت فهي واجهة لجهة ما. كل ما يذكر عن الشركة اسمها الذي عند تحققنا من الأمر من خلال سجل الشركات في سلطنة بروناي وجدنا أنها غير موجودة وأن بروناي بريئة منها براءة الذئب من دم يوسف.

بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ، قامت الشركة الوهمية المنسوبة لبروناي ببيع أسهمها لشركتين هنديتين مقابل مائة وثلاثين مليون دولار، وهما "إنديان بوتاش ليمتد"، و"كيزان إنترناشونال تريدنج المنطقة الحرة"، أي أن قرار الأردن السيادي باستغلال مادة خام تشكل جوهر ثروته الوطنية انتقل من يد بروناي ليصبح بيد شركتين هنديتين.

مرة أخرى، بعيداً عن جدلية خيانة الوطن في هذا الباب، حققنا في أمر الشركتين المالكتين لأمرنا الآن، ومرة أخرى يكون ما يكون، شركة "كيزان إنترناشونال تريدنج المنطقة الحرة" شركة مسجلة في جبل علي، الإمارات العربية المتحدة والتي تملك 25% من أصل الأسهم المباعة لها من شركة بروناي المزعومة التي تملك معظم أسهم شركة الفوسفات.

كيزان إنترناشونال هي شركة إماراتية وأنشطتها مقتصرة على ثلاثة مصادر: أسهم الفوسفات في الأردن بقيمة تتجاوز مائة مليون دولار، وأسهم في شركة جرو ماكس في البيرو بقيمة لا تصل إلى عشرة ملايين دولار، وتجارة سلع في الإمارات بقيمة مائتي ألف دولار. أي أن الشركة بالكاد تعمل، وهي في حقيقة الأمر ليست إلا واجهة لشراء أسهم شركة مناجم الفوسفات الأردنية المباعة لشركة بروناي الوهمية.

أما الشركة الثانية التي بيعت لها باقي الأسهم فهي شركة "إنديان بوتاش ليمتد" وهي شركة هندية تطاولها اتهامات بالفساد يمنة ويسرة حتى أن التغاضي عن الاتهامات الموجهة إليها أصبح يطاول مودي رئيس الوزراء الهندي بتهم فساد، ومن تلك التهم، تهمة بيع حليب مصنع يحتوي مواد كيماوية سامة والتي رفعت قضية بشأنها هزت الرأي العام الهندي.

بعيداً عن الجدلية الوطنية مرة ثالثة، من باع مقدرات وطنه بحفنة من مال، ألم يفكر للحظة بجودة السيد الذي ستصبح الأردن ملك يمينه؟ ستحارب العامة إدارة شركة الفوسفات وسيتصرف المستمعون والمشاهدون وكأن الفساد حكر على بضع فاسدين ستستريح البلاد والعباد منهم عند تنظيفها منهم، ولكن هل الأمر كذلك؟

الجدل القائم في الوسط الأردني مقتصر على مبلغ البيع، أن الفوسفات بيعت "ببلاش" وهذه هي المشكلة، أما تمكين جهة أجنبية من تسيير القرار الأردني فهذا لا ضير فيه ولا يُناقش في الأوساط التي تصم الآذان بوطنيتها.

قام مكتب عبيدات وفريحات للمحاماة وهو مكتب محاماة أردني مرموق بإعداد وترتيب مفاوضات واتفاقية بيع أسهم شركة مناجم الفوسفات الأردنية لشركة "كامل هولدنغ"، ولكنه أنكر معرفته بالشركة بعد ست سنوات من إبرام الاتفاقية وأدعى أن علاقته كانت مع جهة تدعى "وكالة بروناي للاستثمار". بالنسبة لمكتب المحاماة المرموق -الذي يعرف القانونيون المخضرمون فيه معنى اتفاقية كهذه ومصير الأردن في ظلها- لم تكن المشكلة ترتيب صفقة بيع الوطن، كلا، بل مجرد اسم المشتري الذي تبين أنه في الحالتين دخان لا وجود له. فكيف لم يقدم مكتب المحاماة المرموق شكوى لمجلس النواب أو دائرة المخابرات أو أي جهة مختصة لوقف البيع إن علم به قبل وقوعه؟

جدير بالذكر أن مكتب عبيدات وفريحات يعمل تحت قيادة أحمد عبيدات رئيس الوزراء السابق وعبد الغفار فريحات القاضي السابق الذي لم ير ضيرا في الأمر رغم تمثيله ذات يوم للجزيرة ضد ياسر عباس نجل محمود عباس لدى اتهامه بخيانة الوطن. لم تلفت انتباهه العضو البارز في مجلس القضاء الأردني وقاضي التمييز والنائب العام السابق إحسان بركات زوجته المصون وهي التي أخذت وردّت في قرار توقيف عمر المعاني بحسب ما تقتضيه المصلحة التي تبدو شخصية ولكن حقوق المرأة تطغى عليها. وجدنا كذلك أن أكثر من شريكين في مكتب المحاماة -مهندس اتفاقية البيع- هما أنجال لأعضاء في إدارة شركة مناجم الفوسفات، فأي صدفة هي هذه؟

باسم خصخصة أو حصحصة أو بأي اسم آخر، فإن بيع الوطن جريمة وكلنا مشاركون فيها، مهما كان دورنا ضئيلاً.
7FC6A4CD-A8B6-4087-9F76-D3445B3C154B
سالم حسنات

باحث ومحلل أردني معني بالشؤون المحلية

مدونات أخرى