مروة ذات الرداء الأحمر في بلاد العجائب

مروة ذات الرداء الأحمر في بلاد العجائب

22 يناير 2020
+ الخط -
جلست مروة على العشب تحاول كتابة قصة، قررت أن تكون القصة عن طفلة تعيش في المدينة وتزور البادية أحيانا، فتشعر بالملل من عدم اهتمام أحد بها، فتتخيل حياة مشابهة تستطيع فيها الحديث مع الحيوانات. كانت مروة تكتب عن نفسها، جلست على العشب تحت شجرة كبيرة لونها أخضر كزيت زيتون حر، وضعت كراسة الرسم على ركبتيها وبدأت ترسم القصة.

الصورة الأولى
فيما تجلس مروة تحت الشجرة يقترب منها سنجاب صغير. يسألها:
* هل أنت مروة؟

ترد متعجبة:
- أجل، أنا هي! كيف تعرفني؟
* أعرف اسمك فقط، فأمك تناديك منذ وقت غير قصير وأنت لا تسمعين، وصوتها يمنعني من النوم.
- آسفة بشأن ذلك، لكنها تريد مني غالبا العودة إلى الداخل كي لا أصاب بالبرد.
* هي محقة.
- نعم، لكن المكان في الداخل ممل جدا، والجو هنا لطيف وبارد. وهذا البرد سيجعلني أقدر قيمة الدفء في المنزل حين أضطر للعودة.
* فكرة جيدة! هذا يجعل صوت أمك يحملني على تقدير النوم.
- بالضبط!
* جميل جدا، سأنام الآن ما دامت قد توقفت عن الصراخ.
- يوما جميلا!
* ولك أيضا.

كان السنجاب لطيفا جدا ويعيش مع زوجته الحامل، بدت لمروة من بعيد ككرة فرو دافئة بينما كانت تطالبه بالبقاء بقربها دائما.

الصورة الثانية
يحط صقر قرب مروة، تراقبه بصمت، ويفعل هو المثل. تستمر لعبة المراقبة طول النهار، يحل الليل فيغادر هو إلى عشه وهي إلى منزلها، تستمر اللعبة أسبوعا. لا يظهر في اليوم الثامن، وفي اليوم الخامس عشر تفتقده فتقرر البحث عنه. تمشي بين ممرات الغابة، يمضي الوقت وينتصف النهار، لا تجد له أثرا وتضيِّع الممرات. تقرر كسر الصمت، تناديه:
- أين أنت؟ أنا أفتقدك.
تهب ريح خفيفة كابتسامة حزينة.
* أنا أيضا.
تشعر به يبتسم، تلتفت:
- لمَ اختفيت؟
* لأجعلك تدركين أن لا أحد سيظل بجانبك إلى الأبد.
- كنت حزينة.
* أعرف، وأنا آسف. لكنك سعيدة الآن؟
- نعم!
* وأنضج بقليل أيضا.
- ماذا تقصد بالنضج؟
* ستعرفين بمرور الوقت.



الصورة الثالثة
تجلس مروة قرب الجدول، يقترب ثعلب ليشرب، يختفي بسرعة. تضحك منه، تناديه:
- لا بأس عليك، تعال واشرب. أحب هذا المكان هنا لأني لا أرى أحدا غيركم.
* لم أخف، إنما أنا حذر.
- لم أقل إنك كذلك.
* انتبهي لصيغة حديثك إذن.
- حسنا.

يشرب، يهم بالمغادرة، لكنه يلتفت ليسأل بتهكم عجوز ذكي:
* إذن.. هل تربون دجاجا في المنزل؟
تنفجر مروة ضاحكة، يبتسم الثعلب ويغادر.

الصورة الرابعة
مروة تجلس قرب الشجرة، تراقب الخنفساوات والفراشات، لم تلتفت لها أية واحدة منها. فكرت أن اليراعات قد تنتبه لها، لذلك تسللت بعد العشاء خارجا وذهلت بالأضواء الراقصة. أزالت حذاءها، ارتعشت من برودة العشب والندى. تمشت بحذر خوفا من اختفاء الأضواء، لم تكلمها اليراعات لكنهن جعلنها تشعر بأنها ملكة حفلة صامتة. جلست تحت الشجرة وابتسمت للنجوم الخضراء التي تغرقها.


الصورة الخامسة
عاد الثعلب إلى الجدول، قررت مروة اصطحابه إلى المنزل لكنه رفض بحجة أنه لا دجاج لديها. لم تدر ما تفعل، قالت:
- هل ستكون صديقي لو كان لدي دجاج؟
كتم ضحكة وقال:
* لكني صديقك بالفعل.
- إذن أنت صديق غريب!
* هل هذا شيء جيد؟
- أعتقد ذلك، أنت مختلف وهذا لا يجعلك معادا.
* جميل جدا مروة!

الصورة السادسة
مروة تربت على جناح الصقر، تحاول إخباره بمدى الشوق الذي اعتراها حين رأته يحلق لكنها لا تستطيع.
- أتدري؟
* لا.
- أنا أخافك.
ضحك وقال:
* لم؟ هل أنا كذلك؟
- لا.
* إذن؟
- أنت صامت، وحين تتكلم تكون على حق دائما.

استأنف الضحك مجددا. ظلت تنظر إليه كما لو كان كائنا غامضا، قال:
* صغيرتي! قد أكون على حق دائما بالنسبة لك، لكني لست كذلك. أقول هذا كي لا تظني أني لا أخطئ أبدا. لا أحد لا يخطئ أبدا.
- آه! لهذا أرى والدي يعتذر من أمي أحيانا!
* لكن، أن أكون على حق دائما -كما قلتِ- ليس سببا كافيا لتخافي مني.
- أجل، لكني أقوم بتصرفات خاطئة أحيانا. حين تكون موجودا تجعلني أتصرف بحذر كي لا أخطئ.
* إذن، فوجودي يجعلك تفكرين قبل التصرف؟
- نعم.
* إذن أنا مفيد لك؟
- نعم.
* يسعدني هذا!
- وأنا!

الصورة السابعة
مروة تجلس على الدرج تتأمل الشجرة من بعيد وتحاول رسمها. يقترب السنجاب:
* مروة.
- نعم.
* هل أنت الطفلة الوحيدة لوالديك؟
- لا.
* أخبريني إذن، كيف يعاملكم والداك؟
- هل أنجبت زوجتك؟
* نعم.
- أكثر من سنجاب صغير جميل؟
* نعم.
- لا تشغل بالك، اعتن بهم وسوف يبنون أنفسهم بنفسهم.
* حقا؟ تظنين ذلك؟
- أنا لست سوى طفلة صغيرة، لو بإمكاني أن أسأل أستاذ الرياضيات، لكنني في عطلة الآن.
* سأكتفي بما قلتِ.

الصورة الثامنة
مروة تحادث الصقر بينما تلمس فروع الشجرة.
- أخبرني.
* بمَ؟
- متى يمكنني أن أحلق مثلك؟
* يمكنك أن تحلقي الآن.
- كيف؟ ليس لي جناحان.
* أنا أمتلكهما من ريش أما أنتِ فلكِ جناحان مختلفان.
- مم صنعا؟
* عليك اكتشاف ذلك بنفسك.
- علي اكتشافهما قبل أن أحلق إذن؟
* أجل!

الصورة التاسعة
مروة تجري خلف الثعلب. لم يكن سباقا، لكنه ركض حر. هكذا قالت له قبل البدء. حين توقفا كانا على مشارف حقل ذرة لم يحصد بعد.
* أتودين لعب الغميضة؟
- في الداخل؟
* أجل.
- أنا لن أراك، وأنت ستهزمني بحاسة شمك يا ثعلب! تفتقد هذه اللعبة حس العدالة.
* وماذا تقترحين؟
- نلعب لعبة أكثر عدلا.

الصورة العاشرة
مروة تجلس مساء تحت الشجرة، تختفي تحت جناح الصقر، تظهر السناجب وتلتف حولها، ويصل الثعلب متأخرا.
* وإذن؟ ما هذا الإجتماع الغريب يا أسد الغابة؟
ابتسمت مروة وقالت:
- لم تأخرت؟
* لدي عائلة، لا تستغربي فلا أحد يمكنه العيش وحيدا حتى إن كان ثعلبا غامضا مثلي.
- انتهت العطلة وأردت توديعكم لأننا سنعود فجرا إلى تلك المدينة البالية.
* ألا تحبينها؟
- بلى، أفعل! وهي ستعذر قولي هذا، لكني حزينة فحسب، فأترك العنان لنفسي. ثم إني سأعود السنة القادمة محملة بحكايا أكثر، وسأسأل أستاذ الرياضيات بشأنك أيضا.
* شكرا.

اختفى آخر ضوء من النهار، بدأت اليراعات تحتفل بانتهاء نهار آخر، ابتسمت مروة وقالت:
- أيها الصقر، يجب أن تزورني فلا عذر لك.
* شرط أن تكتبي لنا رسالة كل يوم.
- كما كانت تفعل جودي؟
* بالضبط!
- أنا متحمسة الآن!

قال الثعلب:
* حتى أنك تودين المغادرة الآن لتكتبي لنا عن رحلتك.
انفجرت مروة ضاحكة وقالت:
- سأشتاق لكم.

انسحب الثعلب والسناجب وبقيت هي والصقر لبرهة. حين أراد التحليق قالت:
- أتظن أن جناحيَّ هما الكتابة؟
* أجل. وهما بالمناسبة أبلغ من جناحيَّ هذين.
- حقا؟
* جربي، وسترين.
- هل تمتلك جناحيَّ أيضا؟

ابتسم الصقر:
* لا يا صغيرة، لكني رأيت كثيرا ولم أقدر على وصف شيء كما وصفت لي منزلك في المدينة.
- لم أفهم، فكل ما قلته هو أنه يشبه جحر فئران دافئ.
* هذا يكفيني لأقول ما قلته. اعتني بنفسك جيدا صغيرتي.
- وأنت كذلك.