أحداث بسيطة من أيام رضوى

أحداث بسيطة من أيام رضوى

18 ديسمبر 2020
+ الخط -

العزيزة رضوى..

ما الذي يفترض بفتاة في السابعة أن تفعله حين تقع في ورطة بين أبوين يريدان الانفصال، لا يهتم أحد منهما بها وفي الوقت نفسه يتقاتلان من أجلها؟

طفلة في السابعة.

عزيزتي الطفلة في السابعة.

أعتقد أني لو كنت مكانك فسوف أختار جدة أحبها، لا أظن أن جدة سترفض وجود حفيدة قربها، كما أنهن يقمن بإعداد طعام لذيذ. أما في حال عدم وجود هذا الخيار فعليك بالقرعة، إنه الحل الذي ينجيني من الكثير من الحيرة في حياتي.

عزيزتك رضوى.

عزيزتي رضوى..

هل أنت فتاة كبيرة ومجنونة؟

الطفلة في السابعة.

عزيزتي الطفلة في السابعة..

أعتقد ذلك.. أجل.. أنا كذلك! أليس هذا مبهجا؟

عزيزتك رضوى.

خطت رضوى الرسالة على بطاقة صغيرة ووضعتها داخل عش البومة المهجور، لم تعرف رضوى هذه الطفلة قط. أخبرت وليد حين وصل بينما تخفي البطاقة هناك فسألها متعجبا:

  • لكن كيف وجدت الرسالة الأولى أصلا؟
  • كنت أنظف العش.
  • تنظفين العش؟!
  • أجل، فقد تأتي بومة أخرى وتعيش هناك.
  • وتضعين الرسالة هناك؟
  • نعم.
  • وكيف تصل فتاة في السابعة من عمرها إلى هناك؟

سرحت لوهلة وسألت بصوت هادئ كما لو أنها لم تكن تتحدث بحماسة قبل ثوان:

  • أنت من كتب الرسائل؟
  • أجل.

يصمت وليد أغلب الوقت، وينطلق في حديث طويل حين يحمسه شيء، أي شيء ضئيل صغير. ولم يكن يعرض أحداثه اليومية المملة ـ كما سماهاـ على أحد. لذلك تظاهر بأنه فتاة في السابعة، لكن رضوى لم تعر هذا اهتماما، كل ما فكرت به هو "هل سيختفي من حياتي الآن؟"، لكنها عادت ولامت نفسها لأنها رأت في تفكيرها أنانية مطلقة. لم يتحدثا عن الأمر مجددا سوى في عشاء لاحق. لم يتغير شيء تقريبا، عدا أن وليد كان يقطع مسافة أطول حين يوصل رضوى بدراجته. استبدلا الباص بالدراجة وصارا يفكران في البحث عن دراجة لشخصين ليضمنا العدل بينهما. وحين عرضا الفكرة على والدة رضوى قالت:

  • لمَ لا تتناوبان فحسب؟

لم يكن من السهل إقناع وليد لكنهما نفذا الفكرة على أي حال، فلا أحد منهما يملك ثمن دراجة لاثنين. وفي عشاء لاحق الذي قضاه مع رضوى ووالدتها سألته الأم:

  • وليد، من اخترت؟
  • والدي.
  • لمَ؟
  • لأنه لا يسألني أين كنت طوال اليوم.
  • وهل هذا جيد؟
  • حسنا.. بما أني أمضي وقتي معكما، فهذا جيد جدا.

لم يكن والد وليد سوى شخص عادي جدا، يمضي وقته بروتين رتيب بين العمل والمقهى وقراءة الجرائد قبل النوم، لم يكن طموحا، أو هذا ما رآه وليد فيه، لذلك لم يهتم بالتعرف إليه. اعتبره شريكا في السكن ليس مضطرا إلى إخباره بأي شيء سوى أنه قد يعود متأخرا هذا المساء.

وفي يوم تسللت رضوى من محاضرة لتحظى ببعض الراحة، لمحت رجلا يقف قرب نافذة الفصل، اقتربت منه وسألته إن كان يبحث عن شخص ما. ارتبك وضحك دون سبب واحمر وجهه وقال:

  • أنت تعرفين.. نحن الرجال الكبار نتوق للشباب.. أقصد أن نعود إلى شبابنا.. ولكن هذا مستحيل.
  • هل تريد أن تدرس؟

كان سؤالها مباشرا بحيث وضع حدا لارتباكه:

  • أجل.
  • إذن سجل نفسك في الكلية، ولن تحتاج للتلصص هكذا، أو يمكنك أن تتسلل إلى الحصص فلن يسألك أحد عن سبب وجودك. هذا ما أفعله أنا وصديقي الجالس هناك، فنحن لا ندرس في هذه الشعبة.

ابتسم الرجل وغادر وعادت هي إلى المحاضرة، همس وليد بينما تجلس:

  • أرى أنك التقيت والدي.