تعليم خنفشاري (2)

تعليم خنفشاري (2)

24 يوليو 2019
+ الخط -

قال الأستاذ كمال إن مناقشة موضوع كبير كموضوع التعليم بوجود الأستاذ مجيد الدردي أمضى أربعين سنة من عمره في التعليم، يرفع من سوية الحوار، وهذا ما شهدناه في الجلسة السابقة، فالأستاذ مجيد طرح أفكاراً مهمة للغاية.

وأما صديقنا أبو الجود فقد تمكن من إغناء الموضوع، وأخذه باتجاه الطرافة، وجعلنا نضحك ونبتهج حينما حكى لنا عما جرى له وهو طفل صغير، وكيف استمر المعلم يضربه حتى انكسرتْ العصاية وأصبحت شقفتين.

قال أبو جهاد: ولكن المعلم عفا عن أبو الجودْ وبَطَّلْ يضربُه بعدما انكسرتْ العصاية.
قال أبو إبراهيم: وين المشكلة إذا المعلم عفا عنه وبَطَّلْ يضربُه؟
قال أبو جهاد: بصراحة في مشكلة كبيرة. واضح إنه هالمعلم ضعيف الشخصية، وتَشْتُوشْ، وعديم الحيلة، كان بإمكانُه يجيبْ عصاية جديدة ويتابع الضرب، أو يضربه بإيديه ورجليه، أو يعضُّه!
قال الأستاذ مجيد بعدما ضحك بصفاء: واضح إنُّه الأخ أبو جهاد بيحب يمزح مع الأخ أبو الجود. ولذلكْ عم يحكي معه بنوع من السَادِيّة.
قال أبو زاهر: من زمان، الرفاق البعثيين عملوا جَرْدْ للمدارس الموجودة في سورية كلها، وأخضعوا المعلمين الأكْفَاءْ لدراسات أمنية، وعلى أثرها صاروا ينقلوهم من سلك التعليم إلى الدوائر الحكومية التانية، وكانت حجتهم إنه هالمعلمين أفكارهم خبيثة، وما بيجوز يشتغلوا في التعليم حتى ما ينقلوا أفكارهم الهدامة للجيل الصاعد.. وصار الواحد، بعد هادا القرار العجيب، يشوف مُدَرِّسْ ممتاز من طراز الأستاذ مجيد قاعدْ عم يشتغل جابي إيصالات في مديرية الكهرباء، وتشوف معلم قدير تاني عم يشتغل في دائرة النفوس، وأما المعلمين البعثيين المناضلين فسلموهم التعليم من بابه لمحرابه، وسلموهم فوقها إدارة الشركات المؤممة بعدما أبعدوا الصناعيين الكبار عن أماكنهم، وصادروا شركاتهم. يعني، بموجب هادا المنطق، كان لازم ينقلوا المعلم اللي استمر بضرب أبو الجود لحتى انكسرت العصاية لمكان تاني منشان يستفيدوا من إمكاناتُه.
قال أبو الجود: لوين ينقلوه برأيك؟
قال أبو زاهر: برأيي لازم ينقلوه على فرع الأمن العسكري، ويعينوه جَلاد في قبو التعذيب. لأنه اللي بيضرب ولد عمره عشر سنين لحتى تنكسرْ عصايتُه أكيدْ مستقبلُه كبير في سلك المخابرات!
قال الأستاذ مجيد: كلام أبو زاهر في الحقيقة بيقودْنا باتجاه لب المشكلة. والأخطر من هيك إنه المعلمين كانوا يضربوا التلاميذ بالاتفاق مع أهاليهم! يعني هادا الطفل الزغير الغض اللي ما بيعرف شي من الدنيا، كيف بده يتعلم ويبدع إذا كان مُحاط بمجموعة من الأعداء؟
قال العم أبو محمد باستغراب: أعداء؟!
قال الأستاذ مجيد: طبعاً أعداء. أبوه بيضربُه، في البيت، لما بيصدر أي خطأ عنه، والطفل كل تصرفاته ممكن تكون غلط لأنه ما بيعرف أيش هوي التصرف اللي أبوه بيعتبره صحيح. والأب ما بيكتفي بضرب إبنُه، بتلاقيه كمان عم يعطي رخصة للمعلم بأنه يضربه. وبما أنه الطفل بيمضي نص وقته في البيت والنص التاني في المدرسة، معناها هوي معرض للضرب على مدار اليوم!
قال أبو محمد: والله العظيم القعدة معكم بتخلي الواحد يندم على كل حياته السابقة. أنا كنت مفكر إنه الضرب للولد كتير منيح.
قال الأستاذ مجيد: أنا في البداية كنت معلم ابتدائي بالوكالة. وفيما بعد تابعت دراستي الجامعية وانتقلت من الابتدائي للإعدادي والثانوي. على أيام التسجيل في الصف الأول كنت أشوفْ أبْ ساحبْ إبنُه في أول العام الدراسي متل القصاب لما بيسحبْ الخاروفْ وبياخده عَ المسلخ.. وبيدخل عَ المدرسة، وبيسأل على معلم الصف اللي راح يكون إبنه فيه، وبيقول للمعلم:
- تفضل يا أستاذ أفندي، استلم إبني، اللحم إلك والعضم إلي!
يعني إنه من حق المعلم يضرب الطفل ويخلي جسمه يصيرْ مَلْيَانْ رضوضْ وكدمات ووزمات، ولكن بشرط إنه ما يكسر عضامه، لأن العضام بتعود ملكيتها للوالد. وأنا كنت أقول لمتل هاد الأب: يا رجل، إنته أشو عم تحكي؟ هادا الولد لازم كلياتنا نحرص عليه ونحطه في عيوننا، ولما بيغلط غلط زغير لازم المعلم يحاوره لحتى يفهم إنه هاج الشي غلط. وأهم شي نعلمه كيف يستعمل عقلُه.
قال أبو جهاد: أيوه. يعني بحسب ما عم يقول الأستاذ مجيد الضرب مو لمصلحة الطالب.
قال مجيد: طبعاً مو لمصلحته. بربك تقلي يا أخ أبو جهاد أيش نوع المصلحة اللي بتتحقق لولد بيجي ع البيت مرعوب وجسمه متورم من الضرب، وبيركض باتجاه المرحاض لأنه بيكون على وشك يعملها في تيابُه؟ يا سيدي حتى العِلْمْ اللي بده يحصل عليه وهوي مرعوب ما راح ينفعه.
قال أبو الجود: أنا نسيت شغلة كنت بدي إحكي لكم إياها. أنا لما كنت في الصف الرابع، حطوني في الشعبة الأولى، وكان عندنا معلم كويس ومحترم وما بيضربْ الطلاب، يعني متل الأستاذ مجيد. بتذكرْ إنه أبوي راحْ عَ المدرسة وطلبْ من المدير ينقلني ع الشعبة التانية. هاي الشعبة التانية كان فيها المعلم اللي كَسَرْ العصاية عليّ وساواها شقفتين!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...