عن صلاة نصرالله في القدس

عن صلاة نصرالله في القدس

16 يوليو 2019
+ الخط -
(عن صلاة حسن نصرالله في القدس) 
في عام 1999، في منطقة اليعربيَّة- تل كوجر، وهي مدينة شبه سورية، تقع على الحدود السوريّة العراقيّة، مررت بمرحلةٍ دينيّة، استمرّت ثلاثة أشهر، كنت أذهب فيها إلى مسجد البلدة الصغيرة. في الصيف، كان برّاد المسجد يقدم المياه الباردة مجانًا. وكانت الانطباعات والآثار التي تشكّلها الأصابع عند تمريرها على البراد، بسبب اقتراب المياه من درجة التثلّج، دافعًا أساسياً للتديُن. في المساء، تُرش باحة المسجد الترابيّة بالمياه، وتوضَع سجّادات سميكة مريحة جدًا. المهم، في مرّة من المرّات، وأثناء صلاة العشاء وعند انحناءة السجود، وقعت "دستة" أوراق شدة من جيب كلابية أحد المصلين البيضاء. فقطع صلاته، وبدأ بعد الأوراق حتّى يتأكد أنها 52. تحيّة لصلاة ذلك الشخص، وهي أشرف بمليار مرّة من أي صلاة لحسن نصرالله في القدس، حتّى لو كانت حقيقية.

(فقط لشرف الخصومة) 
مؤثّرة وفاة محمد مرسي. مؤثّرة لأنّ خصمك السياسي والثقافي، لا تريد له الموت في سجن مجرم انقلابي سافل معدوم الذكاء والكاريزما مثل عبد الفتاح السياسي. مؤثّرة، لأنّك أصلاً لا تريد إفناءه جسديّاً وقتله وتقييد حريّته، بل إبقاء النزاع معه في ساحات السياسة، وميادين المجتمع، دون الإقصاء واستخدام السلاح. مؤثّرة، لأنّه أوّل رئيس منتخب في تاريخ مصر. رئيس، كنتَ تستطيع في عهده، على الأقلّ، أن تنقده. رئيس، لا تُقارن أوضاع حقوق الإنسان والصحافة وحرية الرأي في عهده، بأوقات عبد الناصر والسادات ومبارك والسيسي. رئيس، لم يطلق الرصاص الحي على المتظاهرين ضدّه، ولم يدخل معارضيه إلى السجون. رئيس، على الأقل لم يقمع الحراك الاحتجاجي ضدّه. 
الرحمة لروحك يا محمد مرسي، ومن القلب: يسقط التافه سيسي، وكل مثقف هلّل للانقلاب.

(عن الساروت)
أوّلاً، الساروت لم يقدّم نفسه، كقائد أوركسترا أو فنان معاصر لديه باسبور بريطاني، حتّى يتم محاكمته على صوته، كما فعل موسيقي تافه، وصفَ صوته بأنّه "نشاز". علمًا أنّ فنّ "الموال" هو فن شعبي بالدرجة الأولى، ولا يحتاج إلى دراسة في الجامعات. ثانياً، من المستحيل إدراج الساروت أيضاً في خانة الحركات الجهاديَّة، لأنَّ انضمام هذا النوع من الشخصيات، هو براغماتي وانفعالي ولا يعبّر عن نوايا أصيلة. الساروت ليس زهران علّوش (درس الشريعة في السعودية) الذي يمتلك مشروعًا سياسياً إسلامياً واضحًا، والساروت ليس عماد الدين رشيد الذي لم يترحّم على التيزيني لأنه "شيوعي". الساروت ممكن أن يقول الشيء ونقيضه، وبالتالي لا مشروع سياسياً إسلامياً شمولياً لديه، كما عند الإسلاميين بتنويعاتهم. ثالثاً، الساروت ليس عنصرياً ضد الأكراد، شاهدت فيديوهات يهتف فيها لعامودا وقامشلي وغيرها. أخيرًا، لا توجد ثورة بدون رموز، وليست لدي أي مشكلة مع الرموز. والثورة السورية مقارنة مع الثورات الأخرى، رموزها قليلة على فكرة، ولكن فعلاً الساروت هو أفضل رمز ممكن أن يشير إلى واقع بلد.
دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية:

مدونات أخرى