الهوية بين الأنا والغير

الهوية بين الأنا والغير

13 يوليو 2019
+ الخط -

تعتبر "الهوية" من أكثر المواضيع جدلاً، وأكثرها تداولاً في ساحة الخطاب السياسي والثقافي والإعلامي، خاصة في الربع الأخير من القرن الماضي. ومن الأسباب التي منحت هذا موضوع الكم الكبير من الاهتمام هو أن أصبح مفهوم "الهوية" متجاوزاً لتلك النخبوية الأدبية، لتنحو إلى نطاق أوسع، يشمل جل عناصر الحياة سواء المادية أو الثقافية، وأيضاً العناصر الرمزية والطقوسية. يبدو مفهوم "الهوية" لوهلة مسلماً وسهل التحديد. إذ يعبر عنه في علم النفس بتلك السمات التي تميز شخصاً بعينه مع مرور الزمن. لكن هل تنحصر "الهوية" عند هذا الحد؟

الجواب نتعرف إليه أكثر مع علم النفس الاجتماعي الذي أعطى اهتماما أكثر لمفهوم الهوية. فحسب المختصين يمكن فصل الهوية إلى فصلين كبيرين: الأول هوية ذاتية شخصية تتمثل أساساً، كما ذكرت سابقاً، في السمات والطباع التي تميز شخصاً بعينه، وتنقسم هي الأخرى إلى جزأين، جزء ثابت وآخر ديناميكي. فالثابت هو الشخصية الحقيقية، أو كما قال آدم كوبر "نفسي الحقيقية"، والتي تظلّ أحياناً مختبئة ومغايرة لما نبدو عليه في الواقع. والديناميكي هو ذاك الجزء الذي ينتج عبر الاحتكاك بالآخرين وبالمحيط الذي نعيش فيه.

أما الفصل الثاني من الهوية فهو الهوية الجماعية، وهنا نتحدث عن مركب معقد وتماثل بين الهوية والثقافة. فالهوية الجماعية هي كل ما يوحد الشخص بمحيطه باختلاف درجاته. وقد تكون هذه الهوية مكملة للهوية الذاتية، فيصبح الشخص في أريحية أكبر حين يختلط بمحيط معين يساهم في إبراز سماته الذاتية مانحاً إياه مساحة أكبر للتفاعل. وقد يكون العكس، آنذاك تكون الهوية الجماعية كابحة ومدمرة للهوية الشخصية. وقد تضيع الذات في تأرجُحها ما بين "ذاتية" و"جماعية" تودي بها إلى انفصام حاد، فلا هي الذات "نفسها" ولا هي "مختلطة" مع الجماعة.

من جهة أخرى، لا يمكن أن نتحدث عن الهوية الجماعية، دون أن نشير لتبعيّات ذلك المركب الضخم والمتنوع على سلوكيات الذات المختلفة من محيط لآخر. فعلى سبيل المثال، قد يبدو الشخص مسالماً في منزله أو محيط عمله، لكنه قد يتحول لثائر أو عنيف حين اختلاطه بجماعة يوحدها سلوك فوضوي. وهنا يغلب الطابع الجماعي السلوك الفردي للشخص. هذا ما يسمى حسب آدم كوبر "السمات العرضية للنفس".

وهناك مستويات أخرى أكثر شمولية للهوية الجماعية، كصراع الطبقة الأرستقراطية والطبقة العاملة، فيما يعرف بالهوية الطبقية، وأيضاً الهوية العرقية المتمثلة قديماً في الصراع الكلاسيكي بين السود والبيض. دون أن ننسى كذلك الهويات السياسية والثقافية والدينية والحضارية. وقد نمر إلى مستوى أكبر حين نتحدث عن علاقة البشر بالكائنات الأخرى والتي تجمعنا معهم هوية واحدة: "الأرض".

من هنا، يتضح لنا أن مفهوم الهوية ليس بتلك البساطة اللغوية التي يظهر بها للوهلة الأولى. فهو مفهوم مركب جداً وغير ثابت، تتجلى أهميته في الغنى الكبير لمكوناته، وكيف يسهم في تكوين ثقافة الفرد والجماعة على حد سواء.

دلالات