رسالة إلى ترامب: عرّيت عوراتنا وقذفتنا في عمق الجحيم

رسالة إلى ترامب: عرّيت عوراتنا وقذفتنا في عمق الجحيم

02 ابريل 2019
+ الخط -
خرب بيتك،
أهكذا أيها السيد ترامب، أيها الوسترني، يا من صفقنا لأفلام بلادك حين كان ينتصر أبطالها في حصة "أفلام رعاة البقر"، كل مساء يوم أحد في شاشتنا ونحن نحتسي قهوة "النص نص" وندخن المالبورو في مقهى معزول في قرية على حدود العالم..

أهكذا تصرّ على إذلالنا وتمريغ ما تبقى من نخوتنا العربية في الوحل.. أهكذا أيها الأزعر يا ذا المعطف الطويل، أيها المتهور، تكافئ عروبتنا وكرمنا الحاتمي بأن تمعن في إذلالنا وفي فضحنا وإزالة ما تبقى من ورقة التوت عنا أمام شعوبنا.

أكان لازماً يا ناكر الخير، يا من يأكل النعمة ويسب الملّة أن تفعلها مرة ثانية والأكيد أنك ستفعلها مرة ثالثة، بل مرات، والويل لنا إن أعيد انتخابك، فأنت الذي قلت وبأعلى صوت وفي وضح النهار، لأحدنا أنك تحميه وعليه أن يدفع المال، فليس من المعقول أن تحميه لوجه الله، لن يمنعك مانع من أن تفعل ما لم يفعله أحد معنا من بلاد جورج واشنطن، سلوكاتك غريبة ومفاجئة سيدي الرئيس..

نعرف ويعرف العالم أنك تقود دولة عظيمة اسمها أميركا، لم تكن معروفة إلى أن اكتشفها كريستوفر كولومبوس الذي جهز سفنه من الأندلس، أو الفردوس المفقود كما بتنا نسميها نحن العرب بعدما فقدناها وبكيناها كثيراً في أشعارنا، بل هناك من يقول إن مكتشف بلادكم رجل عربي مغربي جاء من الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي، من مدينة عامرة في حينها كانت تسمى أزمور ولا تزال موجودة إلى الآن، كانت مزدهرة بها صناعة السفن، هذا الرجل اسمه سعيد بن حدو الأزموري الذي عمّده سيده تحت اسم استيبانيكو وقصته باتت معروفة، ولا شك أن لكم به علماً فمخابراتكم لا تخفى عليها خافية، فما طار عصفور في سماء، أو غاص دود في أرض إلا كان لها به علم..


اعذرنا على هذه اللمحات التاريخية، لكن كما نقول نحن المغاربة فما لا يقتل يسمن، كما أننا نعرف أن عقليتكم التجارية تمنعكم من العودة إلى كتب التاريخ، وتقليب صفحاتها، فأنتم لا تؤمنون إلا بأوراق الدولار، ومقولة "ماذا سأربح، وعليك أن تدفع"، إنكم في بلد رأسمالي لا يؤمن سوى بالربح، ولهذا فإنكم تقولون للقيم الأخلاقية اذهبي إلى الجحيم، كلما تعارضت مع صفقاتكم، وقد قلتموها في خطاباتكم بأنه: "لا يمكن أن نضحي بصفقة فيها مليارات الدولارات"، لما تعارض الموقف الأخلاقي مع المال..

إنكم تربحون من كل شيء وتثيرون النزاعات في كل مكان كي تبيعوا السلاح، ولأننا نعرف يا سيادة الرئيس أنكم مشغولون، فإننا سقنا لكم كذا ملامح وفلاشات ومنها أيضاً سيادتك، اعتراف المغرب باستقلالكم، فقد كان أول دولة يقوم بهذا. هذا من ملح الطعام، والعلم بالشيء خير من جهله.

يا عظيم أميركا، أيها - الصلف - واسمح لي على استعمال هذه العبارة التي يمكن معرفة معناها إن عدت إلى قاموس اللغة العربية، ألم يكن ممكناً أن تؤجل أمر التوقيع أو على الأقل أن تجتمع معنا ولو بشكل صوري، وبعد مأدبة الشواء، ترفع قبعتك وتقول أمام مكرفونات الإذاعات وشاشات العالم وباقي وسائل الإعلام الأخرى: بعد نقاش مع أصدقائنا العرب، نعلن بداية فصول "صفقة القرن"، فبعد اعترافنا بالقدس عاصمة لإسرائيل، ها نحن اليوم نعلن أن الجولان أرض إسرائيلية.

إننا نعرف أنكم تؤمنون بأن ما أخذ بقوة لا يرد وهذا ما فعلتموه مع المكسيك، وتستشهدون به في هذه النازلة اليوم التي خرقتم وضربتم فيها بالقانون الدولي عرض الحائط، وتصرفتم فيها تصرف بطل أفلامكم "رعاة البقر" الذي لا يعرف سوى إطلاق النار من مسدسه، ومنحتم أرض دولة تم احتلالها لصديقتكم المدللة إسرائيل، التي قتلت وهجرت سكان وطن ضارب في التاريخ، حتى صاروا لا يعرفون من شدة حنينهم سوى أن يقولوا تصبحون على وطن، لا: تصبح على خير التي تقولونها أنتم، وصاروا يحنّون إلى خبز الأم ولمستها، مدللتكم إسرائيل باتت ترى هي الأخرى أنها فوق القانون فصارت تبني مستوطناتها، وتسعى إلى تغيير وجه الحقيقة على الأرض غير عابئة بأحد. ومن شابه أباه فما ظلم، كما تقول العرب.

نعرف نحن العرب، أن أكبر لعنة لحقتنا ولا تزال هي هزيمتنا في حرب الستة أيام، حرب حزيران، فلو كان الانتصار حليفنا لكان الواقع اليوم غير هذا الواقع الخانع، فالمنتصر هو من يفرض شروطه لا المهزوم المنكسر الذي يجرّ أذيال الخيبة.

إن السكاكين التي غرست في الجرح كانت حادّة وعمقت من الجرح، وكلما حلّت ذكرى الهزيمة أحدثت ألماً لا يطاق، لكن أن تضيف إليها سيادة الرئيس الكوباوي سكيناً غادرة أخرى في الظهر، في وقت كنا نعتبر بلادكم راعياً للسلام، ونثق في خطاب بلدك الداعي إلى قيام دولتين واحدة اسمها إسرائيل صديقتكم المدللة، ودولة فلسطين تقام على حدود 67.

لكن الحقيقة أنه لا يؤمن جانبكم، وعلينا أن نستيقظ من أحلامنا وندرك جيداً ما صدح به الشاعر محمود درويش: "ما أكبر الفكرة، ما أصغر الدولة"، واليوم ولا شك سقط غصن الزيتون من أيدينا، وبتنا على ما يشبه اليقين بأن خريطة جغرافيا جديدة تقام في السرّ، أهم نقطها أمن إسرائيل بأي ثمن ولو على حساب أراضي دول.

ما ظهر وما سيظهر هو بدايات إعلان "صفقة القرن". حينها ستتم فصول هزيمة 67، فالخسارة ليست الانهزام في المعركة فقط، وإنما ما يأتي بعدها من تبعات، وكم من معارك حمت بلداناً من اجتياح الاستعمار، كما كان حالنا نحن المغاربة حينما انتصرنا في معركة وادي المخازن، والمشهورة أيضاً بمعركة الملوك الثلاثة، وكم من انهزام في معارك أخرى كانت سبباً في تعجيل اجتياح الاستعمار. والتاريخ خير شاهد.

أيها العرب إني حزين أولاً لأننا انهزمنا، وثانياً إني ضائع لأننا فقدنا البوصلة ولم نعرف حتى الآن كيف نخرج من هزائمنا، وثالثاً أنا مهموم لأن أيادي خانتنا وباعت واشترت في "صفقة القرن".. فهل ربحت؟ أم أنه الخسران المبين؟

لقد صرنا أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، كما قال طارق بن زياد الفاتح المغربي المعروف للأندلس، في خطبته الشهيرة التي لا أظن أحداً يجهلها. وللتاريخ دورات وصولات. فهو يصعد أمماً وينزل أخرى ويقذف بأخرى في غياهب النسيان. وتصبحون على وطن بسعة الحلم.
C07D6E37-277B-47B4-AAA7-B94B7E80CB00
الطاهر حمزاوي

صحافي وكاتب مغربي، يعمل في المجال الإعلامي وينشر في عدد من المنابر الوطنية والعربية.