جولة لا ينصح بها في زمن كورونا

جولة لا ينصح بها في زمن كورونا

31 مارس 2020
+ الخط -
هل كنت في حلم، أم أني كنت في كامل وعيي؟ أعتقد أن الاحتمال الثاني هو الأقرب إلى الواقع، والدليل هو أن القصة بقيت محفورة بكل تفاصيلها في دماغي مع كل الشعور الذي انتابني حينئذ، فقد خرجت أمس لقضاء حاجة ملحة، وأنا في السيارة مررت بأحياء سكنية شعبية، كان الناس فيها غير مبالين بوباء كورونا.

يتحركون ويتزاحمون على قضاء أشياء كان من الممكن تأجيلها أو أن يخرج في طلبها شخص واحد من الأسرة لا كلها، وكم شاهدت من الأطفال في الأزقة! فتساءلت مع نفسي، والقلب يعتصر اعتصاراً، من سمح لهم بذلك؟ أي آباء وأمهات هؤلاء الذين يرمون بأولادهم في أرض موبوءة وينتظرون أن يعودوا وفي أيديهم ورود مسمومة، حينما يتسلمونها منهم سوف تفتح عليهم أبواب نار جهنم. ألم يكن من الحكمة بمكان ألا يخرج إلا أرباب الأسر أو رباتها ويأخذون حذرهم؟ كيف يفكر هؤلاء؟ أليس فيهم رجل رشيد وأم رشيدة ؟

في هذه الخرجة الاضطرارية، شاهدت أيضأ مراهقين على دراجات نارية و"لاهم معنا"، وكأن هذه الأيام أيام عيد لا أيام حيطة وحذر من عدو شرس يتربص بالبشرية، ويستغل أي هفوة منا أو أي تهور من أحدنا كي يغرس أنيابه فيه فيكون جسره الآمن الذي منه سوف تعبر جنوده كي تفتك بالآلاف من بيني جلدتنا، فيجلس هو مثل الشيطان يضحك ضحكة الشامت في هذا الإنسان الذي كان له ومن لطف ربه به أن يحمي نفسه، بلزوم بيته لكنه لم يفعل، فهلك وأهلك.


يا أيها الإنسان ما أنت؟ إنك هش، وأضعف حلقة في هذا العالم فلا تغتر، وتسير على خطى الشيطان، فهل نفعك شيء مما صنعت؟ ألم تكن فقط وإلى البارحة تقول: "أنا ربكم الأعلى"، فهل نفعك سلاحك الفتاك وصواريخك العابرة للقارات في أن توقف هجوم فيروس حقير يكاد لا يرى، ويكاد اليوم إن تفشى واستفحل أن يقضي على كل سكان العالم. إنك مجبول على النسيان، وإلا كنت اعتبرت من تاريخ من سبقك، وبنيت عالماً غير هذا العالم المبني على الحروب والظلم والاقتتال، فلو فكرت وتدبرت لكان العالم غير هذا العالم، يتسع للفرح والحب، ويتسع لنا جميعا. لقد نسيت مصير كل من قال: "أنا ربكم الأعلى" وكيف انتهى، على الأقل كان عليك ألا تنسى الجبابرة الطغاة وعلى رأسهم فرعون والنمرود.. فماذا أقول؟ لقد نسي أبوك آدم من قبل، "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما".

إني ألومك وبشدة لأنك لم تأخذ من التاريخ العبر، وسرت في طريق مجهولة تركب غرورك وتطمع في الخلود في عالم لا خلود فيه، لكن فيه المحبة والحياة.. يا الله هذا الإنسان ما أجهله.. لو تأملت لكانت الحياة غير هذه الحياة.. الآن أمامك فرصة ثمينة لقراءة تاريخك وللبقاء والحفاظ على جنسك، فأنت مهدد بالزوال بأحقر المخلوقات.. أمامك فرصة وحيدة لا ثانية لها وهي لزوم بيتك.. الزم بيتك وتفكر فيما حولك وفي ملكوت ربك، وتواضع لعظمته، وانزل عن عرش غرورك ولا تتجبر، بل تعلم وعلم وتقاسم مع الجميع جمال الجنة التي حولتها إلى جهنم.. الزم بيتك، إلزم بيتك، والزم حدودك.. كي تبقى وتعيش، فهذا ما أمامك اليوم، وما من حل ثان لقتل الفيروس الفتاك سوى ذلك، أما غيره فهو لقاح في حكم الغيب، فما أنزل ربي من داء إلا وأنزل معه الدواء، لكن عليك أن تنتظر وتعتبر فرحمة ربنا وسعت كل شيء، فاطلبها ولا تكن من القانطين.

هل أقول: "اللهم اهد قومي فهم لا يعلمون" كما قالها الرسول الأكرم لحظة اشتداد الضيق عليه، أقولها، وأزيد عليها "وهم لا يعلمون ماذا يفعلون".
C07D6E37-277B-47B4-AAA7-B94B7E80CB00
الطاهر حمزاوي

صحافي وكاتب مغربي، يعمل في المجال الإعلامي وينشر في عدد من المنابر الوطنية والعربية.