متطفلون أوصياء على الرَّقة!

متطفلون أوصياء على الرَّقة!

10 ديسمبر 2019
+ الخط -
كان لبعض الرعاع من أبناء الرَّقّة التي غزاها "داعش"، وما زالت إلى اليوم سجينة لم تتحرر من عصابات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، دورهم وأذيتهم في الحياة تجاه إخوتهم البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوّة، بعد أن كانوا يعيشون في خبر كان، ولم يأخذ بيدهم أحد، وبرز منهم السطحيون القوادون السخيفون الذين عاثوا فساداً في البلاد، وهذا ما يليق بهم!

انتفضوا، وجابوا البلاد في الطول والعرض فكانوا شعلة من النشاط في الداخل. تعدوا على حقوق الآخرين، وتباهوا في حمل البندقية بذريعة الدفاع عن الشرف والعزّة، وتمرّسوا في إذلال الناس والتعدي عليهم، والتشفّي منهم والنيل من شخصهم، وشتمهم وابتزازهم في وضح النار، بل وأكثر من ذلك حتى وصل بهم الحال إلى "تجريدهم" ما بحوزتهم من مبالغ مالية تسدّ رمقهم إرضاءً لرؤسائهم، الذين ينتظرون حصصهم مع نهاية كل يوم، من أمثال هذه الغنائم الرخيصة، والذين أسهموا في تكليفهم في المهمّة التي يقومون بها، وبكل سخف وسوقية، وهم من هيّأ أمامهم طريق النجاح، وأخيراً الفوز بالمكانة التي حلموا بها يوماً وهذا ما أرادوه، بعد أن دفعوا ما بحوزتهم لأجل الفوز بالكرسي.

هم هكذا، لمَ لا. إنّه الكرسي الذي أذلّ الناس وأرغمهم على الامتثال لكل صور الإهانة، وأمثال هؤلاء كل ما يهمّهم الوصول إلى المكانة الخطأ. نعم إنّه المكان الخطأ، والوصول إليه لم يكن مفروشاً بالورود والرياحين، فبمجرد توافر المال هذا يعني تذلل كل الصعاب.


فالصورة أصبحت في هذه الحياة لا تلبّي رغبات كثيرين ممن سبق أن التقيناهم أو تعرفنا إليهم، أو بحنا لهم ببعض الآلام والرغبات والمشكلات التي كانت تحصل هنا وهناك، وحدهم المتزلّفون الماكرون المخادعون هم من استطاعوا الوصول إلى كرسي طواه الزمن، وفصّل على قياسهم تماماً وركبوا أبواب السلطة وتوصلوا إلى مفاتيحها، وتغلبوا على واقعهم، وبكل إصرار على الرغم من أن أمثال هذه النخبة من المتطفلين، والذين كان من المحال أن يفكروا، لمجرد التفكير، في أن يصلوا يوماً إلى باب غرفة مسؤول عادي، وأقل من عادي، تراهم اليوم، وفي ظل حكومة بشار الأسد، يشاركون في بناء الدولة، ويخططون، وبكل أخلاق فاضحة، في معرفة كيفية نهب وسرقة المال العام، وهم يدركون أنهم المعنيون والمغيّبون من قبل الناس.

أقصد أنهم مرتزقة مكشوفون للناس نتيجة تصرفاتهم، وهم يعرفون أنّهم غير مرغوب فيهم أصلاً، إلّا أنَّ الظروف خدمتهم، فأصبحوا من المدافعين عن النظام الفاسد الذي لا بد أنه زائل لا محالة، وها هم اليوم يُمارسون، وبكل وقاحة، دور الشرطي من خلال المناصب والأماكن التي يديرونها ويرأسونها، وهم في الواقع، وكما ذكرنا، لا يمكن لأحد أن يأتمنهم على شيء، وإنما رأس السلطة وذيلها هو من شجّع أمثال هؤلاء على الإيغال في الكسب غير المشروع، وبتشجيع منه، لتكون في المكان الخطأ، في الوقت الذي استبعد الأفراد المؤهلين لشغل هذا المكان وغيره.

الأشخاص الذين يحملون الشهادات الدراسية التي تخوّلهم الجلوس على هذا الكرسي، إلّا أنه، وللأسف، خدمات هؤلاء، وعطاؤهم وسخفهم دفعهم إلى أن يكونوا في هذه الأماكن التي حلموا بها يوماً، وتحقيق حلمهم هو ما جعلهم اليوم يتحصّنون في أماكن وظيفية ليسوا جديرين بها، ولا تليق بهم، وإنما جاءت نتيجة ولائهم، وخدمتهم للنظام، ما دفع به إلى أن يكرّمهم بشغلها، وبعد ذلك فإنّه سيرفسهم كما رفس غيرهم وأزالهم عن السلطة، والمكانة التي تبيض ذهباً!

هكذا هو الحال في سورية. لمجرد أنك تخدم النظام و"زلمه"، هذا ما يعني أنك ستفوز بحظوة وبالمكان غير الجدير بك، وهذا يعني أنه راضٍ عنك وعن خدماتك له.

نسوق هذا الكلام، ونحن متأكدون أنَّ أهل المناصب الذين يشغلون عديداً من الكراسي في محافظة الرّقة، في موقع إدارتها التي تقوم عليه اليوم في مدينة حماة وتدار من هناك، وفي حال استعرضنا القائمين على رأس عملهم سيذكرني بالموظفين العاملين السابقين الذين كانوا يقومون على إدارتها. البون شاسع جداً ولا يمكن قياس ما هو اليوم بالأمس!

وبعيداً عن حملة الشهادات العلمية الذين يقومون اليوم على إدارة المدينة، فإنّ الموظفين الذين كانوا في السابق، وإن كانت شهاداتهم الدراسية لا تتجاوز في بعضها الثانوية العامّة إلّا أنهم أكثر وعياً وإدراكاً وحسّاً بالمسؤولية، وأهل بالمكانة التي يشغلونها، أما اليوم، وإن كان يغلب على مسؤوليها حملة الشهادات الجامعية التي يتفاخرون بها، والمشتراة أغلبها بواسطة جهات معروفة، إلّا أنهم يظلون في مستوى إداري مترهّل، غير قادرين على اتخاذ الموقف المناسب الذي يليق بشهاداتهم وما عليهم سوى استغلالها، مع توافر الدعم والواسطة، وإلّا ماذا يمكن أن نقول عن أغلب الوجوه التي لم تعد تلّبي طموح أبناء الرّقة الذين ابتلوا بأمثال هؤلاء، ومن بعض الوجوه من كان يتزعّم مليشيا ويقوم على ابتزاز الناس على الطرقات الرئيسة، ويسرقهم "عيني عينك"، وهم في طريقهم إلى العاصمة دمشق لجهة مراجعة طبيب، أو زيارة عسكري، وغير ذلك، وهذا الشخص شغل مكاناً كان من الواجب أن يشغله رجل أكثر اتزاناً ومقاماً.

ومنهم من أصبح مسؤولاً، ويشغل مكاناً إدارياً حسّاساً، ويصرح في مواقع إعلامية، ويدلي بأحاديث هو بعيد عنها ويدّعي مهنية لا تمت له بصلة ولا تليق به بتاتاً ولا تناسبه، رغم انخراطه فيها لفترة بعيدة من الزمن، بل إنّه يُعد عالة على المجتمع وركب الموجة، وصار يُمثل صوت الرّقة الإعلامي وإن سبق له أن شغل هذا المكان قبل اندلاع شرارة الثورة البائسة التي أظهرته بطلاً ولم تثمر إلّا الخراب والدمار، ولم تغير شيئاً، بل استفاد في ظلّها متطفلون كثر، وها هم اليوم أصبحوا أوصياء على الرَّقة وأهلها!
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.