قلبي عندك يا ريتشارد!

قلبي عندك يا ريتشارد!

21 يناير 2019
+ الخط -
أفاق ريتشارد ماسون (54 عامًا) صاحب موقع Money supermarket على نبأ غيّر موازين حياته؛ فمع أنه رجل أعمال ناجح، وموقعه متخصص في مقارنة الأسعار، اكتشف دون سابق إنذار أن أبناءه الثلاثة ليسوا له، وأنه مصاب وراثيًا بالتليف الكيسي، وبالتالي فهو عقيم منذ نعومة أظفاره.

اكتشف الأمر بعد "خراب مالطة"، وبعد أن طلبت "كيت" الطلاق وتركته وحيدًا، وتكفلت الصدفة وحدها بإيقاظه من سباته، إنها حقيقة مؤلمة بكل المقاييس.

وكأن جبران ينظر إلى ريتشارد من سجف الغيب، ويبصر ما يكابده بعد اكتشاف الطامة، ثم ينفعل بأحزانه ليكتب في "وردة الهاني": "ما أتعس الرجل الذي يحب صبية من بين الصبايا ويتخذها رفيقة لحياته، ويُهرق على قدميها عرق جبينه ودم قلبه، ويضع بين كفيها ثمار أتعابه وغلة اجتهاده، ثم ينتبه فجأة فيجد قلبها الذي حاول ابتياعه بمجاهدة الأيام وسهر الليالي قد أعطي مجانًا لرجل آخر ليتمتع بمكنوناته ويسعد بسرائر محبته".


لكن انفعال جبران بمشكلة ريتشارد لم يكن قويًا، وسرعان ما انقشع وتبدد؛ فإذا به يطلع علينا بجملة مضامين غريبة، ويهنئ كيت على شجاعتها، ويبيح لها أن تهجر زوجها وتهرب مع عشيقها، ولها أن تتبجح مبررة لنفسها هذا الجرم، وأن تواجه الجميع بأن زوجها كهل يغرق في الأربعينات، بينما لا تزال وردة غضة لم تبلغ العشرين!

واتفقت الهند بلد العجائب مع جبران، وتآمرت على مكسور القلب ريتشارد؛ فألغت المحكمة العليا الهندية قانون تجريم الزنا، وهو قانون عتيق يرجع تاريخه لحوالي 159 سنة، وفي حيثيات الحكم قالت المحكمة إن القانون يمثل "تمييزًا صارخًا ضد النساء"، ولذلك وجب إبطال العمل به! وتمحّل جبران المعاذير للمرأة اللعوب، وامتدح اتباعها حكم الطبيعة وإن خالفت الشرائع الدينية! ولم يجد ريتشارد كلمات معبرة عن حيرته؛ فلا الزوجة حفظته في نفسها، ولا جبران أنكر عليها فعلتها، ولا المحكمة الهندية أبقت على القانون!

ادعى جبران على لسان بطلة قصته أن ما يسميه الناس بالزنا والخيانة، هو في الحقيقة طهارة وأمانة ما دام أساسه الحب! وكل ما أساسه الحب شريف وطاهر وإن كان في نظر الناس عيبًا وعارا! وارتأت المحكمة أن تجريم الزنا لا يزيد عن "إجراء رجعي"، ومع إصرار كيت على أن الثلاثة "ويليام (23 عاما) والتوأمين "إيد وجويل" (18 عاما) أبناء ريتشارد من صلبه، وتكذيب تحليل الحمض النووي لادعاءات كيت، إلا أن ريتشارد (يا ولداه!) لا يجد من ينصفه.

وأنت يا عم ريتشارد جريت "جري الوحوش"، ويا ليته نفعك بكثير أو قليل، واليوم تدور على الأطباء وتذوق الأمرين، مقتفيًا أثر الساحر محمود عبد العزيز، لكنك لم تسأل سؤاله المحوري "هو القرد بيتنطط ولا بطل تنطيط؟"، ولهذا السبب أفقت من سباتك بعد الهنا بـ 23 سنة! ولعلك أخطأت الاختيار من البداية؛ فلا تلومن إلا نفسك.

تتغير القوانين مع كل طلعة شمس، ولا تجد ملاذًا يعصم النفوس من الهوى سوى الدين؛ فالدين لا يسير وفق الأهواء، وعلى المرء أن يخضع هواه لسلطان الدين، وسبحان من عصم دينه من الشطب والإضافة والتعديل، ووطن النفوس السوية للتسليم بحكمته والإذعان لعظمته. وعلى الشاب أن يظفر بذات الدين؛ فهي إن غاب عنها حفظته في نفسها قبل ماله، وألا يخدعه برق خلَّب، أو أن ينظر في شكل الإناء ويتعامى عما فيه.

ليس المال ضمانة للسعادة ولا ضمانة لراحة البال، ويبقى للود والتوافق بين الرجل والمرأة يدفع الشقاء ويحقق الرجاء، وينفي عنهما منغصات الرحمة والسكينة، والسعيد من اتعظ بغيره.