حرب إدلب المؤجلة!

حرب إدلب المؤجلة!

25 سبتمبر 2018
+ الخط -
مع كل ما يُنشر اليوم، وبصورة مستمرة، من على صفحات "فيسبوك"، وما نقرأه، ومن مقالاتٍ مدْبَّجة في الصحافة المقروءة، وما نشاهده في القنوات المرئية، وبوضوحٍ تام، عمّا يجري على الساحة "الإدلبية" من حرب ضروس مؤجلة لا محالة بقيادة روسيا المتجبّرة، وجيش الأسد والعصابات الموالية، وهذا ما سيعمّق من جراح السوريين ويزيد من معاناتهم وتهجيرهم وسفك دمائهم، وبدمٍ بارد كرمى كرسي الحُكم، وتشبث القاتل بإدارته، على الرغم من الصورة السيئة التي خلّفها هذا القائد الملهم.

فوجئ المجتمع الدولي بفحوى الاتفاق الروسي ــ التركي على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين القوات الحكومية وقوات المعارضة السورية، تصل مساحتها من 15 إلى 20 كيلومتراً، سوف تخضع لدوريات أمنية من جانب القوات الروسية والتركية. وهو ما يُبقي مستقبل المدينة ومصير سكانها مجهولاً، في ظل احتمالات فشل إنشاء مثل تلك المنطقة وتجدد أجواء الحرب على المدينة، ومنعاً من وقوع أزمة إنسانية متوقعة في المحافظة التي تمثل آخر معاقل المعارضة في سورية.

وأن الاتفاق الذي عقده الرئيسان في قمتهما في منتجع سوتشي على البحر الأسود، يشير إلى انسحاب المسلحين المتطرفين، ومن ضمنهم تلك الفصائل التي كانت في السابق على صلة بتنظيم القاعدة والتي تسيطر على أجزاء من إدلب.


ومع هذا الإعلان تنفّس الأهالي الصعداء، لجهة أن اتفاق التسوية قد يُجنبها هجوماً عسكرياً ثلاثياً، روسياً سورياً إيرانياً، كان ليؤدي إلى تدميرها وتهجير سكانها. ولم ينصّ الاتفاق صراحةً على استبعاد الخيار العسكري في مدنية إدلب، ولكنه تضمّن تفاصيل تخصّ إنشاء منطقة منزوعة السلاح.

إنَّ القيادة السورية متمثلة بقائدها الملهم الذي سبق له أن قتل شعبه، وشرّده في كل حدب وصوب، وسلخه عن جلدته، وجعل من سورية البلد الآمن المطمئن، لكل من عرفها وسبق أن قام بزيارتها، بلداً قوامه الفوضى والدمار والعزلة، وعنوانه الأبرز الاقتتال والخطف والتهجير والانتحار، وكل ما يمكن أن يغسل أذهانهم وقلوبهم، سواء أكانوا في الداخل السوري أم في الخارج، من المهجرين الذين فرّوا من سوط العذاب، والتهم الملفقة، والتجنيد الإجباري، والاعتقالات الظالمة، والسجون المفتوحة على مصراعيها لاحتضانهم، فضلاً عن الخلاص من الفاقة والجوع الذي أذلّهم وأرغمهم على النزوح القسري!

وفيما نجد هذه الصورة اليوم تثير الرعب في نفوسهم، إلّا أنها لم تحرك ساكناً لدى القائد المفدى، وحليفتيه روسيا وإيران والمليشيات الشيعية التي استخدمها في تصفية السوريين وإحراق المدن وتدميرها، فضلاً عن إعادتها سنوات مبعدة إلى أيام الستينيات، وما قبل!

هذا هو حال سورية وشعبها الطيّب اليوم، وما يعانيه من عوز وفاقة وجوع، علاوة على التشرد، وحالات الاكتئاب التي لامست كثيراً من أبناء البلد، ولم يكتفِ المجرمون بكل ذلك، بل دفعهم أكثر إلى ظلم جائر مثخن بالجراح!

وما انتهت إليه سنوات الظلم السبع بعد أن صوّت الجميع بإخراج هذه العصابة الحاكمة، والخلاص منها، بالقضاء عليها بعد كل ما قامت به بحق شعبنا، ونهب ثرواته، واقتسام خيراته وتوزيعها على المقربين لها، وكل من يلوذ خلفها، هو إسقاطها مهما كلفهم ذلك من تبعات.

إنَّ مدينة إدلب ما زالت تقف، وبحذر شديد، وإلى اليوم، أمام اندلاع حرب قادمة، بعد أن أحرق المجرمون أخواتها البقية، من المدن الآمنة، ومعاناة أهلها، إذ يقيم فيها ما ينوف على الملايين الثلاثة، على الرغم من تظاهرات الغضب العارمة من المدنيين في مدينة إدلب في شمال غرب سورية، رفضاً لهجوم وشيك لقوات النظام على مناطقهم، معولين على الجهود التركية لتجنيبهم خيار الحرب، وندد المتظاهرون خلال اعتصامهم بالقمة الثلاثية التي جمعت رؤساء إيران وروسيا، حليفي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة، مؤكدين أن مصير منطقتهم لا يمكن أن يحدد في طهران. وتؤكد هذه المظاهرات على رحيل عصابة الأسد المجرمة، وكل من يقف معه من إرهابيين خونة!

والأنكى من كل ذلك، وقوف كثير من أبناء البلد المستفيدين من بقائه في وجه الثوار، ممن يشغلون مواقع مهمة وحساسة، وغيرهم من الموظفين العاديين الذين يدافعون وبشراسة عن نظام مجرم، فضلاً عن الحكومة الظالمة التي لا حول لها ولا قوة، والتي أسهمت في سرقة ونهب قوت الشعب السوري، وأحالت الغالبية منه إلى متسولين متضرّعين إلى الله حاجتهم، ومثالنا في ذلك الواقع الحالي للمدن السورية، ونزوح أهلها وتهجيرهم وتشريدهم من أماكن سكناهم، ومن بقي منهم أودع المعتقلات والسجون التي ازدانت بها المدن السورية!

إن إدلب ستكون نهاية المحرقة السورية، في حال استمر شفير الحرب، والحديث قائم عن الحرب الكونية التي ادعاها الإعلام السوري الذي ينقل ما يقرأه الأسد وزبانيته.. ولكن لم يعد ينفع كل ذلك بعد "أن فات الفوت واختفى الصوت"!.

نقول أخيراً، ورأفة بأهلنا في مدينة الزيتون: نحذر من ارتكاب مجازر أخرى. فحذار من تلطيخ أياديكم أيها المجرمون القتلة بمحرقة جديدة، وقودها أخوتنا السوريون الذي يعيشون على الكفاف بعد أن فرّوا من ظلمٍ قاسٍ، وفقدوا أعزَّ ما لديهم، وها أنتم تُكملون دوركم بقتلهم وتهجيرهم..!

ويظل السؤال قائماً: هل توقفت الحرب المعلنة في إدلب، أم أنها ما زالت مؤجلة، لا سيما أن ما جرى الاتفاق عليه هو تأجيل حسم أمر المدينة ورمي الكرة في ملعب تركيا المطالبة بإخراج التنظيمات الجهادية من المدينة؟
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.