ضمير قلم وأحبة

ضمير قلم وأحبة

15 يوليو 2018
+ الخط -


ألا ترون معي، أنَّ القلم وإن تبدّى مفاخراً بحنوّه واكتنازه الدرر، يقفُ عاجزاً عن قول ما يريد. فالقلم، يمكنه أن يفجّر المعجزة، ويكسر حاجز اليأس، والصمت أحياناً، ليقول: ها أنذا أقف في الميدان، وأرجو السماح لي بأن أكتب ما أريد، ينشد ذلك بحذرٍ شديد!

لا يمكن للقلم، أن يقول ما يريد، وكيفما يشاء، ويشير إلى هنات هنا، وأخرى هناك. هو، بالكاد يقيسُ عمر المشكلة. فهو يضطلع إلى قلب ذاك الإنسان الذي يحاول أن يكسر حاجز اليأس، وملوحاً له بأن يكون طيّع أمره، يرجو توسله للإفلات من عقاله، ويبدأ بالاسترسال والكتابة على الورق، أي ورقٍ كان، وبأي لون صيغ ورسم.

إنّه القلم. رمز النداء والكآبة والملذات والإنجازات والتضحيات. وهو أيضاً دافعك إلى الحيوية، والالتفات إلى كل ما هو جميل وسار، وقد يكون قبيحاً أيضاً. ما أجمله ذلك القلم. فهو يغسل القلوب ويدميها، ويفتح آفاقاً واسعة أمامه ناشداً دروب الحرية، والأمل بالحياة.


القلم، عنوان الأبجدية، وسرّ الخلود، وهو الكائن الذي يمكنه أن يكون محط رجاء الآخرين، والحالمين بالغد الآتي. هو ذاك، من الصعب لجمه عن فريسته، وأن يقعد وينزوي بعيداً عن محبيه. فهو لطالما أمتع وفجّر بوادر خلاّقة لم تكن في يوم ما إلاّ مجرد نزوة!

وهو القادر على اختراق كل الفجوات والحواجز والسدود، ويمكنه الركض والبحث عن كل ما هو مفيد. القلم، عنوان كبير لحالة استثنائية.. مبدأه الصدق والأمانة، والحفاظ على الأخلاق العامة.

إنه سليل الإنصاف والأصالة، إذا استعمل لخدمة الصالح العام، وهو جوهر العدالة الاجتماعية. كبير بأفعاله، ليّن مطواع بأقواله، بسيط بأفكاره، التي يمكنها أن تسجل تحدياً لهذا الزمن الذي أكثر ما أصابه العفونة، والترهّل.

كثيرة هي أفضاله، وأليمة هي أوجاعه، وسهلة إذا ما استخدم في الإرشاد العام، وما أكثر إيماننا به، لأنه عطاء متجدد، وهو يرمز للإنسانية السمحاء، لأنه لا يعرف الغش، ولا التدليس، ولا المكر، ولا الخبث، ولا البغض.

صافٍ كالسماء، ونقي كالماء النمير، ومهما كان صاحبه بغيضاً وحقوداً، فإنّه لا بد أن تلتمس فيه الكثير من الحب، والأخلاق، والصدق، والمودة، والكرم الحاتمي. فهو طيّع، كما ترغب وتحب، وهو شرس وحاد، وضرباته موجعة، ليست سهلة، لمن أراد ذلك.

القلم، جوهرة درّية لمن أراد أن يستعمله في وجهة الخير، وهو عكس ذلك، إذا ما نزعنا عنه غطاء المحبة، وألبسناه غطاء القذارة واللؤم والخبث والتحدي، فانه سيلدغ سمّاً زعافاً، كما هو حال العقربة التي تلدغ فريستها. سهل إلى حد المرونة، وصعب وقاتل إلى حد الإسفاف.

هذا هو جانب من مزايا القلم، الذي نستسهل تداوله، وهو بالمقابل، صعب وحاد في استخدامه وتوجهه، إذا أردنا. وليكن ما يكون، فعلينا أن نكون منصفين في استخدامنا لهذا السلاح البسيط، الصعب الذي لا يمكن أن تقوم للإنسان له قائمة إذا ما استخدم بغرض الإساءة والنيل من خصومه.. ويظل الهدف الأسمى اذا ما استخدم بما يرضي الضمير والوجدان أولاً.

دلالات

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.