أينما كان... وكيفما يكون!

أينما كان... وكيفما يكون!

06 يونيو 2018
+ الخط -
في ظل آلية النشر السريعة، هل تمكن المواطن العربي من تحقيق آماله وتطلعاته؟ وهل يمكنه قول ما يريد، بعيداً عن عين الرقيب، باستثناء مراقبة الضمير لها، وبصورةٍ خاصة، من خلال بوابات المواقع الاجتماعية، وما أكثرها، والحرية التي تتيحها للمواطن العربي وغيره، بأن يبدي رأياً، وإن كان مخطئاً، والبحث عمّا في ذهنه، وبكل عفوية، حتى يتمكن من الوصول، وبرغبته، إلى الجهة التي يريد، والمسؤول الذي هو في موقع القرار؟

وليس من السهل بمكان أن نقيّد ذاتنا، وأن نحبس أنفاسنا عمّا يدور من حولنا، وتحت مرأى العالم برمته، وفي كل الاتجاهات، والنظرات المختلفة أيضاً، وتلقي وجهات النظر وتبعاتها، والحصيلة من كل ذلك هو: ما الهدف والمعنى مما يحدث، الآن؟!

يتساءَل جابر، المواطن الخليجي، الذي سبق أن التقيت به في أحد المطاعم العربية، هنا، في النمسا، وبعد أن تعرّفنا على بعضنا البعض علمت أنه طالب مبتعث، يدرس علم الإدارة والاقتصاد في جامعاتها.

يتساءَل عن ماهية الأحداث، التي باتت تستهدف الوطن العربي برّمته من محيطه إلى خليجه؟ والى متى ستتوقف كرة اللهب، التي، وكما يبدو لها، ستظل تتدحرج وتأكل الأخضر واليابس، ولم يعد بإمكانها أن تتوقف، لأنها صارت تضرب، وبقوّة، وأمامها نيران مرتفعة، وتخلّف وراءها الدمار والخراب والقتل والحرمان والتشرد والفقر؟!

هكذا أصبح حالنا، وإن هذه الكرة، ستستمر في قضمها وسرعتها، وحدها تواجه هذا الطوفان من المسائل التي تضاربت الرؤية والتحاليل حول ما أثاره الربيع العربي، والشر المستطير الذي حل بالأمّة العربية. وفي كل مكان!

وقال: صحيح أنَّ هناك من هم على قدر كبير من القوّة والإمكانية، ولديهم أدوات التسلّح القادرة على صد أي تدخل داخلي أو حتى خارجي، واعترافهم بالأحداث، إلّا أنهم لن يخلصوا من هذا الشر الذي دقّ أطنابه في كل مكان.

وبعد أن هدأت سريرته، تلفّظ مبرراً الأحداث ومجرياتها، على أنّها صارت تشكل عوامل ثقل كبيرة، وأنه يلزمها وقفة صريحة مع الذات، مع هؤلاء الذين كانت لهم اليد الطولى في إثارتها، ولم يكن بالإمكان بعد أن يطفئوا نارها تخوفاً من أن تلحق بهم الضرر، وهذا ما يمكن أن يكون!
واشتد غضبه، متمماً حديثه: الكثير من الحالات شابها العديد من الاحتمالات، وهذه الاحتمالات آخرها ما أصبح بحاجة إلى النظر إلى الحل الذي يوقف معه هذه المشكلة التي، وكما يبدو، طالت وستطول، والخاسر فيها المواطن العربي، الذي تحمّل تبعاتها جرّاء نشوب هذه الأحداث الضاربة في العمق.

نعم، تحمّل ويلاتها، وخسر الكثير جرّاء نشوبها. خسر واقع حياة، وخسر الحياة ذاتها، والعمل، وفقد الحرية، وتاه.. وحتى معاشرة الناس صارت في طي الكتمان، ولم يعد بمقدوره أن يعود إلى الوراء، بل تراه يتحسّر ألماً، وبشدّة، على كل ما فاته من أيام.

أيام جميلة، ونادرة بأحداثها، كان يعيشها بشوق وبرغبة حقيقية، أما اليوم فإنّه يصعب عليه الاختيار، وظل مرغماً على الامتثال لرؤية من هم أدنى منه مرتبةً وعلماً وخبرةً، ومعرفة.

ويشير جابر: لقد تحوّلت أحوال هؤلاء الشّرذمة، الذين غيّر الزمن من ملامحهم ونظراتهم، وجاؤوا يحاولون تطبيق مزاعم دينية، وإلغاء كل ما هو جميل وسار في نظر أبنائنا، وحدهم العارفون بالحياة الدنيا، ولا غير سواهم! وتطبيقهم للكثير من الحالات، والتي لم تكن في عرف أهل الوطن الأم من ملجأ إلاّ هم، وصاروا اليوم يقرّون مبادئ، ما أنزل الله بها من سلطان، ويطبّقون في بعض المدن التي حولوها إلى ولايات تتبع لهذه الجهة أو تلك، إلى ما يثير اﻷرض والحرث وغضب أهلها وصبغتهم بآرائهم التي لم تبق ولم تذر، وحوّلوا الكثير من المفاهيم والأعراف إلى مسمّيات مختلفة، وغيروا الكثير منها، وارتبطت بشعارات، لم ترقَ لأحد، واتخذوا قرارات لم يسبق للمواطن العربي أن سمع بها، أو قرأ عنها، وإنما مجرد خطوات تعجيزية، الغرض منها هو أن يكون لهذه المجموعات رأيها وأحكامها، ويجب تطبيقها، وإن كانت تثير في المجتمع آراء تختلف عن هذا الرأي أو ذاك، والذي لا يمكن بحال، أنه يروق حتى للإنسان الساذج، فكيف يمكن أن يأخذ به، ذاك المتعلّم، وغيره من عامّة الناس، لا سيما أن مجمل القرارات التي اتخذت كان لها وقعها الخاص في نفوس الكثيرين ممن كان لهم موقفهم السلبي حيال ما حدث وما زال يحدث على الساحة العربية، فضلاً عن التدخل السافر في الشؤون الداخلية للشخص، وهذا ما أثار حفيظة الناس جميعاً!

ويلفت الأخ الخليجي، بقوله: ما كان، وما سيكون فيه إجحاف بحق المواطن العربي، الذي ما زال يُعاني مزيداً من الفقر والفاقة والحرمان، فكيف يمكن أن نقنعه بكل ما يجري في هذا العالم الفاني، ما دام أنه ظلَّ يعاني الكثير من الأشياء، وهو يعيش في فقر مدقع!

وبدلاً من أن نخفّف عنه عبء الحياة ومتطلباتها، ونؤمّن له جزءاً من احتياجاته المتواضعة، ومتطلباته الضرورية، وأوّلها العمل على توافر الماء والكهرباء، وهذه من الأشياء البسيطة جداً، قياساً بالتطور المتلاحق الذي يشهده العالم اليوم، فكيف يمكنهم أن يحققوا ما يتخذونه من قرارات ساخنة، فيها الكثير من الجهل وقلة الحيلة، بحق المواطن العربي البسيط، ما دام أنهم يعيشون في هذا الكوكب الآخر، وكل ما فيه من ريبة وخوف وجهل وحرمان من أبسط مقوّمات العيش، بل إنهم يريدون أن يعيدوا هذا الكون، وكما يبدو لهم، إلى بوابات الجهل والخرافات، وأن يفرضوا عليه أساليب، واجتهادات خاصة، فيها الكثير من القهر والتسلّط..!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.