وفي الخَلِّ حياة

وفي الخَلِّ حياة

16 مارس 2018
+ الخط -
تطرب النفوس لقصص النجاح، ولكل قصة مغزاها الذي نُسجِت عليه. القدر له اليد الطولى في قصصنا، ويكشف لنا عن قصص تدهشنا أو تبهتُنا أو تنير لنا الدرب.

مغزى الكثير من القصص يغيب عنا، ولهذا السبب قد نتعرض لنوائب كثيرة، فلو أدركنا المغزى من جرحٍ واحد، لكان بالإمكان تفادي الكثير من آلام جراحٍ مماثلة. إن الرحلة من المهد إلى اللحد تتطلب استيعاب دروس الحياة، يختلف فهم تلك الدروس باختلاف الناس، ولكن المحصلة النهائية تقول: تتكرر دروس الحياة حتى نستوعبها، وقد تحمل هذه الحقيقة من المرارة الكثير لمن يتأخر استيعابهم لنداءات الحياة.

إليك قصة من أعجب القصص التي قرأتها يومًا، قصة تضعك على طريق الرشاد، وتختصر لك الكثير من معاني الحياة. وردت قصتنا في كتاب: "المحكم في تاريخ الطب والصيدلة عند العرب"، وفيها أن الطبيب المعروف "يوحنا بن بطلان" عُرِضَ عليه مريض، وعليه أعراض مرض الاستسقاء؛ فلم يجد ابن بطلان له علاجًا وقال له: ما لي والله فيكَ حيلة، ولن ينفعك الطب بعد اليوم؛ فامتثل لقدرك وانتظر الموت اليوم أو غدًا.

بعد مدةٍ طويلة رأى ابن بطلان المريض وقد عوفي، وزالت عنه أعراض الاستسقاء؛ فلم يصدق نفسه وقال له: ألست فلان؟ قال: بلى! فقال له: أخبرني عن شأنك؟ ومن عالجك؟ قال الرجل: أنا إنسانٌ فقير لا أملك ما أتردد به على الأطباء، وكنتَ آخر من طرقت بابه منهم؛ فلما خرجت من عندك قصدت أمي، وعندها جرة خل فكنت آكل الخل بالخبز؛ فوجدت في نفسي قوةً يومًا بعد يوم، وأنا اليوم كما ترى.

لم يصدق ابن بطلان ما سمعه، وقال للرجل: اعطني قليلًا من الخل أفحصه! وبعد فحص الخل صرخ ابن بطلان: الخل مسموم! ما قصة هذا الرجل الغريب! ذهب ابن بطلان للرجل وأخبره بنتيجة التحليل وطلب أن يرى جرَّة الخل بنفسه، لم يمانع الرجل مع عدم اكتراثه بسميم الخل؛ فهذا الخل كان سببًا في شفائه. وكانت المفاجأة أن وجد ابن بطلان ثعبانين قد تحللا في الخل، والسمُّ عالج الرجل من مرضه.

اليأس يهتف بالنفوس من وقتٍ لآخر، والملل يعصف بالناس ويزور القلق قلوبهم، وقد يعبث الاكتئاب بحياة الكثيرين، وهذه أمراض عصرنا غير المستقر. الرؤية تبدو ضبابية في كثير من الأحيان، والاستقرار حزم أمتعته ورحل عن عالمنا، واغتيل الأمن بكل الوسائل، فالمرء لا يجد مبررًا للابتسامة أو التفاؤل! عندما يسمع أحدهم من يقول له: لا بأس! الأمور ستتحسن؛ فإنه يغلق أذنيه ويقول في نفسه: وصلة تنمية بشرية ملهاش أي معنى! وقد يصرخ في وجه من يبث في نفسه الأمل: شكلك مش عايش على كوكبنا! فاكر إننا دخلنا المدينة الفاضلة! ألا ترى ما يدور من حولك؟!

حافظ على الأمل مهما كان الظلام حالكًا، وانشغل بما ينير لك الطريق، واترك البكاء للأطفال. انظر لصاحب الخل واستفد منه؛ فإنه لم يستسلم للموت، وكان الأمل داخله أكبر من اليأس الذي صدره له ابن بطلان. نحارب التعاسة بالأمل قبل أن نحاربها بالمادة، وحده الأمل ما يزين لنا الحياة ويرسم لنا الغد المأمول؛ فعش بالأمل تحلو الحياة.

لو تخيلت عقلك جوهرة ثمينة، فإنك حتمًا ستحرص على إزالة الأتربة وذرات الغباء من على تلك الجوهرة، وقد تُمعِنُ في الحفاظ عليها بصيانتها في خزانة مناسبة، وهكذا حياتك! عليك أن تحافظ عليها من سطوة اليأس والقلق والاكتئاب؛ فإذا نجحت في ذلك اتسع المجال أمامك لتحقيق قفزات رائعة في حياتك وحياة من حولك.

دلالات