قابلت "كامل"؟

قابلت "كامل"؟

25 فبراير 2018
+ الخط -
جلس أعرابي في مجلس أيوب السِّختياني؛ فقيل له: يا أعرابي! لعلَّك قدريّ؟ قال: وما القدريّ؟ فذُكر له محاسن قولهم؛ قال: أنا ذاك. ثم ذُكر له ما يعيب الناس من قولهم؛ فقال: لست بذاك. قيل: فلعلّك مثبت؟ قال: وما المثبت؟ فذُكِرت له محاسنهم؛ قال: أنا ذاك. ثم ذكر له ما يعيب الناس منهم؛ فقال: لست بذاك. قال أيوب: هكذا يفعل العاقل؛ يأخذ من كل شيءٍ أحسنه.

تأتيك ثقة الناس بتثاقل السلحفاة وتتولى عنك بسرعة الصاروخ! المدهش أن الثقة عندما تحل بأرضك؛ فإن الناس يضعونك في مكانةٍ رائقة سامقة، وأنت وحدك من يؤكد هذه المكانة أو ينسفها من الأساس. قبل أن تصل لهذه المكانة الكبيرة؛ فإنك بحاجة إلى زادٍ يأخذ بيدك، يمكنك الاستفادة من الجميع دون استثناء؛ فكل من حولك يمتلك ملكة إيجابية يمكنك الانتفاع بها. احرص على تنويع مصادرك ولا تلقِ بأوراقك في سلةٍ واحدة؛ فإذا احترقت هذه السلة لم يحترق معها عمرك.


العاقل يأخذ من كل شيءٍ أحسنه، ويستعير من كل شخصٍ يقابله خصلةً من الخصال الحميدة، كما يجتنب كل سلوكٍ مشين تقع عليه عينه. العاقل يؤمن أنه لا وجود للكمال البشري، وإن بالغ البعض في الظهور بمظهر الإنسان الكامل. من الطبيعة البشرية أن نخطئ التصرف من حينٍ لآخر؛ فمن جهلنا نخطئ ومن أخطائنا نتعلم، والعاقل لا ينسلخ عن بشريته بأي حال. يجد المرء السوي نفسه كالبستاني؛ يقتطف من كل بستان زهرة، ويستهويه رحيق الخمائل وألوان الأزهار دون تعصبٍ لرحيقٍ بعينه أو زهرة خاصة.

صدمة العامة في بعض المشاهير قد تفوق الوصف، وذلك لإحاطة المشاهير بهالة من القدسية غير المبررة. المشاهير بشر لا يزيدون عن العامة يدًا ولا قدمًا، لكن التعصب لهؤلاء هو ما يخلق الصدمة. البطل البارالمبي، أوسكار بيستوريس، أول من شارك من المعاقين في الألعاب الأوليمبية. أصر بيستوريس على منافسة أقرانه من الأسوياء بدنيًا من العدائين، ونال إطراءهم وتعاطف معه الجمهور. في عام 2014 قتل بيستوريس صديقته، ريفا ستينكامب، عارضة الأزياء وكانت الحادثة صدمة بكل المقاييس للعامة.

من أهم أسباب صدمة الجمهور أنهم يرفعون المشاهير لمكانة عالية، ويتناسى الجمهور أن الطبيعة البشرية للمشاهير. حادثة سابقة ترجع أحداثها لعام 2010 هزت الرأي العام في مصر، كان الجاني فيها المذيع التلفزيوني المصري، إيهاب صلاح. كان المذيع قد أطلق الرصاص على زوجته ففاضت روحها لبارئها، ومثل هذا الحادث يقع بين حينٍ وآخر، لكن وقوعه من مذيع تلفزيوني لامع أثار صدمة لرجل الشارع.

لو عدنا للأعرابي في مجلس أيوب السِّختياني لما وجدناه يبالغ في تقدير الأمور؛ فهو يبحث عن الجيد في كل ما يُعرض عليه، لا يتعصب لمذهبٍ أو لشخص، ولا ينبري في الدفاع عن أيديولوجيات لم يقف على أبعادها، ولا يبالغ في التعامل مع الأحداث. لا تطلب من الناس أن يمشوا على العجين "ميلخبطوهوش"، ولا تطلب من زوجتك أن تكون "سوبر وومان"، ولا تطلب من ولدك أن يكون "شكسبير وأينشتاين وميسي" لأنه ليس "3 في واحد".

صدقًا (مكلِّفُ الأشياءِ ضدَّ طِباعها متطلِّبٌ في الماءِ جذوةَ نار)؛ فكن واقعيًا وثق أنه لا وجود للشخص الكامل، وتقبَّل من حولك كما هم دون تبرُّم أو سخط، وعندها ستجد أن خيبات أملك تجاه تصرُّف البعض أو أخطائهم أقل مما هي عليه الآن. ربما تصبح أكثر بشاشةً مع زوجتك وولدك وزملائك ومرؤوسيك، وقد يستغربون هذا التغير المفاجئ في تعاملك؛ فابتسم وقل: "أصلي مقابلتش كامل!"