عيادة الطبيب

عيادة الطبيب

22 فبراير 2018
+ الخط -
بعد انتظار دام شهراً ونصف الشهر جئت برفقة أمي إلى طبيب السكري الذي لم نعرف عنه شيئا غير اسمه ومكان عيادته، رغم أننا انتظرنا موعدنا معه مدة طويلة إلا أننا اعتدنا على أن مواعيد الأطباء في أوروبا طويلة الأمد وعلى المريض الانتظار حتى وإن كان يعاني مرضاً متأزماً.. كنت أظن أن في بلاد الغرب كل شيء يسير كدقات الساعة بانضباط وترتيب لكنني فوجئت بالكثير من الأشياء هنا في النمسا حيث أقيم.

دخلنا العيادة وإذ بالكثيرين قد أخذوا أمكنة لأنفسهم ووجوههم شاحبة حزينة وبقايا دموعهم على وجناتهم المتعبة من آثار الأوجاع التي آلمتهم بها أوطانهم، أحدهم كان يتألم مثنياً ركبتيه إلى معدته برفقة أخيه الذي يشاركه أنينه الهادئ، كان يكبره بحسب ما تبين من ملامح وجهيهما وأحذيتهما المتشابهة وطولهما الموحد وعيونهما المتماثلة.


أما تلك العجوز الأجنبية لم أكن أظنها مريضة وإنما حسبت زوجها الذي يمسك يدها متكئاً بوجه هزيل يعاني من شيء ما، ولكن بعد برهة صاحت الممرضة للعجوز لتخبرها بنتيجة التحليل الذي قامت به منذ أسبوع، اندهشتُ حينها بنسبة السكر لديها لأنهم في بلاد الغرب يمارسون الرياضة بشتى أنواعها فمن الصعب علينا أن نتوقع أعمارهم أو نلاحظ على وجوههم سقماً إلا ما ندر.

الشيء الوحيد الذي كان يختلجني هو شعور الدهشة لعدد الشباب الموجودين في تلك العيادة التي تعنى بمرضى السكري مندمجاً بشعور الحزن الذي جعلني أفكر وأنا جالسة على كرسي مخملي مزركش يهدئ من روع المرضى، بالظروف التي جعلت أولئك الشباب تؤول أحوالهم الى ما هم عليه الآن، الى أن قطع زحمة أفكاري أحدهم حيث دخل المكان وهو يصرخ من ألمه قيل إن لديه آلاماً شديدة في حالبيه فقد كان طبيب تلك العيادة يداوي مرضى الكلى والمجاري التناسلية أيضا.

كنت أراقب بعينين مضطربتين وأمامي بوابة العيادة ذات الزجاج الشفاف التي يستطيع أن يرى الشخص من خلالها مارة الشارع وكل شي في الخارج، كانت أوجاع المرأة التي تجلس على حافة الرصيف خارجاً لا تقل عن أوجاع مرضى العيادة بل تزيد، لكنها لم تكن تملك مالاً. كانت ترتجي كل مار أمامها ليتصدق عليها بسنت واحد علها تشتري ما تسد به رمقها.

تحتفي العيادات والمستشفيات بمرضاها كما تحتفي قاعات الاجتماعات السياسية بالقادة والزعماء الذين يختلفون بشيء واحد عن المرضى العاديين، بأنه لا يستطيع طبيب في العالم أن يعالجهم، لكن ربما ذات يوم تصحو عقولهم فيشفون، فهم مدمنو كراسي جلدية يجلسون عليها ثم ينقلون عدواهم وجراثيمهم في مجتمعاتهم ليعم الخراب وتغدو حيواتنا أسوأ، تنشر فيها كل فيروسات الفساد والجاهلية التي لا يخلفها سوى مرضى السياسية المستعصي علاجهم.

39AEC136-A7C0-4E43-8625-49B1E04BB869
نور عبد الكريم البليخ

طالبة جامعية... هاوية ومحبة للكتابة. تقول: إن الذي يرتجي شيئا بهمته يلقاه حتى لو حاربه الإنس والجان.

مدونات أخرى