دموع باردة!

دموع باردة!

25 يوليو 2021
+ الخط -

لم تنم ليلتها أبدا، كانت تتقلب في فراشها كما لو أن نارا في قلبها تشبّ ولا تخمد، وساعة غرفتها على الحائط كانت بطيئة جدا وعقاربها كما لو أنها قد شلت!

كانت تنظر إليها بين الحين والآخر وما زالت قرابة الثانية بعد منتصف الليل والجميع نيام، ولا صوت غير مواء قطة جارها التي تهرب كل مساء لتجوب حارات الحي، ثم تعود فتجلس أمام بيت صاحبها ليفتح لها الباب في الصباح التالي.

وبعد عراك شديد مع النوم، نامت بنصف عينين مغمضتين، فقلبها ممتلئ بالحكايات والأخبار والهموم، تنتظر صديقتها التي واعدتها في اليوم التالي في أحد المقاهي الواقعة في مركز المدينة علها تنفض عنها غبار قلبها وتحكي ما يجول في سرها فيهدأ فؤادها.

لم تكن من الفتيات اللاتي يضيعن وقتهن في أي شيء، بل كانت دوما منهمكة بنفسها وحلمها وأشيائها الصغيرة، وعزلتها التي تتعلم فيها الكثير فتقرأ كتابا، وتحيك شالا، وترسم صورة، إلا أنها كانت تحتاج من الحين إلى الآخر إلى من تؤنس به روحها وترمي عليه شيئا من همومها.

أي اكتئاب هذا الذي يرسم على وجهنا ابتسامات كاذبة نحاول من خلالها أن نواسي ذواتنا

ذهبت مسرعةَ لتصل في الوقت المناسب، ثم صعدت القطار السريع وجلست تفتش حقيبتها علها تجد شيئا داخلها تلهي به نفسها إلى أن تصل، لكنها لم تلبث أن فتحت حقيبتها، وفي تلك اللحظة رنّ هاتفها النقال لتخبرها صديقتها أنها لن تستطيع القدوم لسبب غير مقنع، حينها لم تقل شيئا سوى أنها ستنتظرها في اليوم التالي أيضا في نفس المكان إن استطاعت القدوم، ثم أنهت المكالمة لتعود في الاتجاه المعاكس للقطار بقلبها الممتلئ بالقصص.

ما أجمل أن نكون ظهورا لبعضنا، وحين تعصف بنا ظروف الحياة نجد دوما من يمد لنا ذراعيه ليحتضن قلوبنا بدفئه وحنانه. كل ما نحتاجه صديق كجدار، لا ينقض أبدا، بل يقسو مع الزمان ليكون أمانا من برد الدموع وعواصف الحياة وثقل الأيام.

عادت أدراجها إلى البيت ثم شغلت "كاسيت" لعبد الحليم حافظ، ورمت بجسدها على السرير متأملة السقف المهترئ، لم يكد أن يكمل عبد الحليم جملته الأولى من الأغنية إلا وقد نامت نوما عميقا يرافقه صفير ناعم يخرج من بين ضلوعها وكأنه شجن حزين.

أيّ حزن هذا الذي يجعل من شهيقنا وزفيرنا سيمفونية تبكي كل من يسمعها، أي اكتئاب هذا الذي يرسم على وجهنا ابتسامات كاذبة نحاول من خلالها أن نواسي ذواتنا، وأي يأس هذا الذي لا يمحيه زمان ولا مكان.

أين أنت يا أرجوحة الطفولة من بين كل هذا! احمليني وحلقي بي عاليا، اسرقي مني الدموع، واهمسي لي إن غدا أجمل.. غدا به أمل.

39AEC136-A7C0-4E43-8625-49B1E04BB869
نور عبد الكريم البليخ

طالبة جامعية... هاوية ومحبة للكتابة. تقول: إن الذي يرتجي شيئا بهمته يلقاه حتى لو حاربه الإنس والجان.

مدونات أخرى