تركي رمضان... الصحافة مقبرة الأديب!

تركي رمضان... الصحافة مقبرة الأديب!

01 نوفمبر 2018
+ الخط -
يُباغتك الكاتب والصحافي تركي رمضان بحديثه المشوّق، وبالرَّقيَّة المحكية، يُجيبك عن مسألة بعينها بحاجة للإيضاح، وهو العارف بناصية الأمور، وبكل ثقة. ويتسع صدره للحوار، والوقوف على مشكلات الزملاء الصحافية، الذين يستأنسون برأيه الصائب، لا سيما أن لديه خبرة وسعة اطلاع على الكثير من القضايا التي تهمهم، أضف إلى أنه يملك خبرة غنية في الحياة العملية، ويشاركُ الناس همومها، وإن كان ذلك في نطاق ضيّق جداً، بسبب وضعه الصحي، ما يجعله مبتعداً كلياً عن اللقاء بهم خشية السؤال عن معضلة معينة تعرّضه للمساءَلة.

وسبق وأن كتب الزميل رمضان العديد من المواد الصحافية المتميّزة، كان الكثير منها دفاعاً عن الحيوان، وفي روايته "برج لينا"، وقصصه القصيرة نجد دائماً الرحمة بالحيوان، مثل مشهد الغمر في الرواية، ومنظر الحيوانات التي تركها أصحابها، والكثير من ذلك، ويقضي جلَّ وقته في مكتبته الخاصة.

أول قصة قصيرة نشرها في "صوت المعركة"، وهي نشرة كانت تصدر عن لجنة الدفاع عن الوطن وحماية الثورة، وكان حينها في السابعة عشرة من عمره، ثم خلال العمل في سد الفرات كان يُشارك في الأمسيات الأدبية، والنشر في جريدة الجماهير في صفحتها الثقافية التي تصدر في مدينة حلب، وفي باقي الصحف السورية.

وإن لازمته العزوبية، واستمر في تطليقها، طوال فترة الحياة التي كتب له ما كتب العيش فيها.. وكان يعيش بعزلة عن الناس بعيداً عن أي علاقة اجتماعية، حتى أنه كَتبَ في إحدى المرات قصة قصيرة تحكي معاناته، ونشرت في مجلة العربي الكويتية، في شهر آب لعام 2001 بعنوان "صمت الجدران"، وكانت رداً على الأصدقاء الذين يتهمونه، أو الذين يدّعون، أنَّ ليس له علاقة بالقصّة، وإنهم لم يقرأوا له شيئاً، وكانوا يطلبون منه ولو قصة قصيرة في جريدة "الرافقة" لكنه أصرَّ على إرسالها إلى مجلة "العربي" الكويتية، وكان نشرها مفاجأة بالنسبة لهم، لأن النشر في "العربي" هو اعتراف مهم.

أما رواية "برج لينا" التي صدرت عن وزارة الثقافة، فقد كانت ضمن 70 رواية لكتّاب من القطر قدمت للوزارة خلال عام 2004 حيث تمت الموافقة على روايتين فقط، واحدة للكاتب "فيصل خرتش" من مدينة حلب، والثانية "برج لينا" وذلك ضمن خطّة لجان القراءة في الوزارة في اختيار أعمال عالية المستوى. وحالياً تتم ترجمتها للغة الروسية، بالتعاون مع الكاتب السوري عدنان جاموس... وقال عنها الروائي الكبير فواز حدّاد رداً على سؤال عن مستقبل الرواية السورية في مقابلة مع ملحق صحيفة الثورة السورية عام 1996 أنَّ هناك أسماء متميزة لعدد من الكتاب الموهوبين الجدد، وذكر منهم خمسة أسماء، من بينهم تركي رمضان صاحب رواية "برج لينا".


وعن رواية "شمال الخط" التي انتهى من كتابتها أخيراً، فهي رواية مخطوطة وجاهزة للطباعة تقع في 400 صفحة من الحجم الكبير، وقد أمضى في كتابتها أربع سنوات، وستكون بدايةً مهمّة، لأنه كلّما أعاد قراءتها أُصيب بالدهشة، وكأنه يقرأها عملاً جديداً لغيره، ويعمل في كتابة رواية جديدة أخرى.

وهناك أعمال غاية في الأهمية، والجودة، وتشعر بأنَّ فيها نفساً إبداعياً. وهناك أعمال للإبهار فقط، وكما أنَّ هناك أعمالاً لزيادة العدد، لكنها لا تضيف شيئاً لا لصاحبها، ولا للأدب.

وهناك أعمال كتبت فقط للفائدة المادية، وكتّاب الرّقة في مجال القصة، والرواية تجاوزوا الـ 30 كاتباً بينما الذين تستطيع أن تقرأ لهم لا يتجاوزون الـ 5 - 6 كتّاب، وهم يعرفون أنفسهم، ومأخذه على هؤلاء أنَّ بعضهم يَخدعُ آخرين لإيهامهم بأنهم كتّاب، وهذا الاستسهال مضر وكريه!

وكان الكاتب والصحافي تركي رمضان يفوز في المركز الأول في مسابقات القصة القصيرة في الرّقة لا سيما مسابقة "البتّاني" الذي كان يُحكّمها كتّاب كبار مثال وليد اخلاصي، وغيرهم من أساتذة الأدب الحديث العاملين في الجامعات السورية، إذ كان يحل فيها كتّاب القصة بالرّقة بعده في الترتيب، وقد وافق قرّاء وزارة الثقافة الثلاثة المعتمدون حينذاك على روايته المخطوطة "شمال الخط"، ومنهم الروائي فواز حدّاد، لكن مدير هيئة الكتاب في الوزارة في حينها الأستاذ نهاد الجرف رفض طباعتها لأسباب تخصّه وتخص المخبرين الصغار، أو لنظرته الدونية إلى هذه الأعمال لأن كتابها من الرَّقة!

وقد مارس الصحافة منذ عام 1970 في دائرة الإعلام في "سد الفرات" حتى الأمس القريب، وفتح الباب أمام الكثير من الشباب لممارسة العمل الصحافي كمراسلين، عندما كان مديراً لمكتب جريدة محلية في الرّقة.

وكان يضم مجموعة من المراسلين الصحافيين للمكتب، الذي بدوره يقوم بإرسال المواد الصحفية التي يُعدها الزملاء، بعد إبداء الرأي فيها، إلى مركز إدارة الجريدة في دمشق، إلى قسم المراسلين، والذي كان يرأسه آنذاك الزميل الصحافي المخضرم ميشيل خياط، رئيس القسم، والذي استمر فيه لأكثر من عشرين عاماً، وكتب العديد من المواد الصحافية المتميّزة، ولاقت نجاحاً كبيراً، وكان في بعضٍ منها دور في تغيير دورة الحياة.

وهو اليوم عندما يقرأ موضوعاً جيداً لأيّ من هؤلاء يشعر بأنه ما زال موجوداً من خلال هذه المواد الصحفية، لأن الصحافة لم تقدم له إلا المتاعب، وعندما تركها شعر براحة غريبة، ورجع للأدب.. حبّه الدائم، الذي كانت الصحافة تَصرفه عنه، ويعتقد بأن الإنسان طاقة، حتى الكتابة لا يمكن أن تكتب بضع صفحات في اليوم في مواضيع صحفية، ويستطيع في نفس الوقت الكتابة في الأدب، وقيل إنَّ الصحافة هي مقبرة الأديب، ومثالنا في الرّقة واضح، "محمد جاسم الحميدي" رحمه الله، وينصح زملاءه الصحافيين، بأنَّ الكتابة الصحفية تأخذ الحيّز المخصّص للكتابة الأدبية في عقل الأديب، ووجدانه. المسألة مسألة طاقة على الكتابة، لكنه استطاع خلال فترة العمل بالصحافة التعويض بالقراءة.

وتراه معتزاً بنفسه، ويحتل من بين أصدقائه مكانةً أدبية وفكرية في مدينة الرّقة التي ترعرع فيها، بعد أن قضى جلَّ حياته موظفاً بسيطاً في إحدى المؤسسات الحكومية الكبرى، مديراً لمكتبها الصحفي.

وهو من ألمع المجموعة الصحفية التي بدأت الظهور في ثمانينات القرن الماضي، وقد سبق له وأن تناول العديد من المواد الصحفية، اقتصادية، وخدمية، وسياحية، اجتماعية، ثقافية، وحتى الأدبية منها بطابع مختلف عن بقية زملائه.

وبعد أن أنهى خدمته في الجريدة لفترة تجاوزت السنوات العشرين، التفت بعدها إلى كتابة الروايات والقصص القصيرة، وتأليف المسلسلات التلفزيونية، فانكب على الكتابة، مورد رزقه الوحيد، والتي تعد أنموذج حياة بالنسبة له، وعاش بمفرده في بيته المتواضع، بعيداً، وكما ذكرنا، عن الزوجة والأولاد.

وإذا ما حاولنا أن نقف على شخصية الصحافي تركي رمضان، فهو مثقف جداً، رغم أنه لم يكمل مشواره الدراسي، والالتحاق بدراسة كلية الطب في إحدى الجامعات في الدول الاشتراكية، وقتئذ، وهو متمكن من عمله الصحافي الذي نجح وأبدع فيه، وله حضوره المميز في معارض التصوير الضوئي التي يُشارك فيها.

وهو إنسان متواضع جداً، بسيط في تعامله، يسحرك في كلماته، يحاول دائماً كسب الآخرين، وهو غير ممتن لأحد، كما أنه يحب ممارسة رياضة المشي. فهو يقضي ما لا يقل عن ساعتين يومياً في ممارسة هذه الرياضة التي تدفع به نحو تحقيق ذاته، وتعيد إليه رغبته في الاستمرار في الحياة التي فقد فيها الكثير من الأماني والرغبات.

ولم يكن في يوم ما إلا محباً لعمله، ومخلصاً، وأكثر من يعتبره مثله الأعلى في الحياة هو أخوه المرحوم رشيد رمضان، وهو كاتب قصة موهوب نشر أول قصة قصيرة له في مجلة الآداب البيروتية، وكان الثاني الذي نشرت له من الرّقة بعد الأديب الدكتور عبد السلام العجيلي، طيب الله ثراه، وكان حينها طالباً في المرحلة الثانوية.

ومن أهم المواد الصحفية التي نشرت له، وتركت بصمة في تاريخه الصحفي، مادة بعنوان "أهلاً بالضيوف" والتي نشرت في جريدة محلية في عام 1993 أثناء احتضان الرّقة مهرجان البادية الأول، وكانت مادة صحفية لها وقعها في النفس وتركت أثرها لدى كل من قرأها، ولامست احتفال الرّقة بهذا المهرجان الذي كان متميزاً في تحضيره.

وإذا ما حاولنا أن نقف عند اهتماماته الأدبية والفكرية، فهو يمتلك مكتبة أدبية وفكرية تشتمل على أكثر من ألفي كتاب، إلا أن تنظيم "داعش" الإرهابي أقدم على إحراقها لأنها كانت تضم كتباً يسارية وفلسفية، وقرأ أعمالاً أدبية مهمّة جداً، وهذا أكثر ما يريحه، ويشفع له تقصيره بالكتابة، ويتمنى لو يستطيع كتابة الأعمال التي يَطمحُ إليها وتشغل كل وقته حالياً.

وقراءة الكتاب في سن الشباب فيها شيء من الاستعراض، والمراهقة، والشعرية، للإبهار، أما ما بعد مرحلة النضج ففيها حكمة، وصدق، وجودة، وقليل هم الكتّاب الذين تركوا أعمالاً مهمّة.

وهو قارئ نهم، ومتابع لكل ما ينشر في الصحافة المحلية، كما كان من قرّاء مقالة الكاتبين المصريين الكبيرين أحمد بهاء الدين، وأنيس منصور، رحمهما الله، ويتابع ما يكتب في بعض المجلات الثقافية والأدبية، ودرج على هذه العادة، حتى بعد أن تمت إحالته على التقاعد، وله حضوره في الأمسيات الأدبية، وتراه دائم الانزواء على نفسه، لا يحب الظهور، فهو بعيد عن الأضواء، وما يهمّه أن لا يتسرّع الكتّاب الجدد في السباق نحو الألقاب كعدد الأعمال، أو عضوية الاتحادات، بقدر ما يكون تركيزهم على جودة العمل واحترام القارئ، لأن القارئ هو الرصيد الحقيقي والباقي للأديب.

بقي أن نشير إلى أن الكاتب والصحافي تركي رمضان، كتب في أكثر من مرة عن معضلة قتل الكلاب الشاردة المستفحلة في الرَّقة، وبناء على ذلك أمر المحافظ بوقف قتلها ومعاقبة من يسيء إليها، فضلاً عن اهتمامه بالقطط الصغيرة التي كان يلتقطها من الأزقة والشوارع العامة، ويقوم بتقديم المأوى ويرضعها الحليب بواسطة ببرونة حتى يشتدّ عودها وتكبر.
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.