بعيدًا عن الحكومة يا الله

بعيدًا عن الحكومة يا الله

19 يناير 2018
+ الخط -
لا أذكر أنّي طلبت من الله يومًا أكثر من حياة أهدأ وضوضاء أقل؛ ألا أصحو على صوت سيمفونيات بتهوفن تصدح بها "سيارات الغاز" في حيّنا الشعبي الذي يقطعه شارع واحد بلا أرصفة أو إنارة أولًا، وأن لا أضطر إلى سماع قرارات حكومية "إصلاحية" ثانيًا.

لكن للأمانة، قد يكون هذا التلوث الحكومي الذي لا تلتفت إليه منظمات البيئة الدولية، أقدر على إحداث فروقات عظيمة تتجاوز ما قد يحدثه أي تلوث آخر في أي بقعة على هذه الأرض المسطحة الواسعة! نعم مسطحة، فلو كانت الأرض كروية وتدور، كما يقولون، كنتُ على الأقل سأستريح بضعة أيام من رؤية مبنى رئاسة الحكومة الذي أصطبح به كل يوم في طريقي إلى العمل على الدوار الرابع. كانت الأرض حتمًا ستأخذه في جولات بعيدة كدكان جمال إسماعيل في مسرحية السكرتير الفني.

المهم، كنتُ أقول إنّ فروقًا عظيمة لا تحدثها غير حكومات "عظيمة" إذا ما استجاب لها شعبها بصورة ملائمة، كأن يقرر فجأة أنّ هذا المكان لا يناسبه، فيفزع بكل ما أوتي من قوة إلى سفارات العالم في بلاده مستنجدًا بها ومستجديًا منها لجوءًا أو هجرة. فهذه الأرض، وإن كانت خصبة لازدهار الحكومات وانتعاش "إصلاحاتها"، إلّا أنّها لا تنفك تحبس خيرها عن يد كل مواطن. هذه البلاد ببساطة تكفر بأهلها.


"لقد ضعنا والمجد لله". ليس فقراء قريتك فحسب يا كازنتزاكيس، نحن أيضًا ضاعت منّا أسلحة البقاء التي تحفظ لنا وجودنا، فضلًا عن ماء وجوهنا. وها نحن مثلهم جالسون بانتظار المزيد من الهجمات الحكومية بقرارات تقلب كل شيء إلى حريق ودم.

لم أطلب من الله يومًا أكثر من حياة بسيطة في مكان ما على بعد ألفي ميل من هنا، أو ألفي عام من الآن، لا فرق، المهم أن يخلو من جميع أنواع المباني ذات القباب؛ السياسية أو الدينية. لم أُطلب منه أكثر من عملية تبديل صغيرة يمسح فيها بيده جميع هذا الهراء الذي نعيشه، ويستبدله بشيء آخر، ربما غابة أو حقل قمح أو بحر أزرق كبير، علّنا نرى وجهه الكريم بدلًا من وجه حكومتنا.
D88F6515-2641-4B76-9D90-9BDC22B8B5E4
منى عوض الله

محررة ومساعدة باحث لدى مشروع بحث وتوثيق الحركة الوطنية الفلسطينية.