تساؤلات الذل والإهانة

تساؤلات الذل والإهانة

12 يناير 2018
+ الخط -
إلى من تعايش مع أوجاعنا وما نعاني منه، وإلى من نفضَ ما في داخلنا من مشاكل ومآسٍ وأحلام، وإلى من اختار الطريق السهل الذي صار مفروشاً بالشوك، وأكثر رماديةً من ذي قبل.

إلى كل هذا وذاك، وكل من يسوق تلك الأفكار والتساؤلات، نقولها:
أين أنتم من كل ما يجري على الأرض السورية اليوم من تسابق لاقتسام الكعكة التي أضحت فتاتاً لكل من ساهم في تدنيس وتخريب تلك الأرض اليباب، التي كانت ولا تزال مهد الحضارة، والحياة الأبدية التي عشنا فيها أجمل أيام العمر؛ وما زالت تتغنى بحبّها وعشقها لأبنائها الذين أحبّوها، وأنجبوا فيها زهرات يانعة من الأطفال الذين حصدهم القتل والدمار والرعب تباعاً، وما زالت الغالبية منهم تركن، الآن، باتجاه الموت عارية الصدر تنتظر حتفها في كل لحظة.

لم تمضِ أيام إلاّ وكان ما يحدث في هذا العالم الرحب الذي نسير يومياً، وبحسب رغباته، وبإسقاطاته، وبكل ما فيه من ضيق، يدعونا لأن نقف مع أنفسنا، نصارحها، ولو لمرة واحدة، وهذا ما سوف يطرح العديد من الأسئلة التي تلزمنا بالإجابة عنها، مهما حاولنا حذفها بعيداً عنا، على الرغم من أنها تصيبنا بسهامها في صميم قلوبنا، التي ذاقت مرارة الألم والفراق، والشوق والحنين إلى تلك الديار، التي دمرها أبناؤها، وباعوا كل ما فيها من صور جميلة، وراقية!

في كل مرّة يستوقفني سؤال، يُلحّ بالإجابة، وهذا السؤال يتوقف عنده الكثير ممن نعرف، ومفاده: ماذا بعد موجة الخراب والدمار التي حلّت بسورية، وما هو مصير المهجّرين والنازحين؟

بالتأكيد، هذا أنموذج يختصرُ الكثير من الأسئلة التي نسمعها يومياً، وتطرح باستمرار، ويتناقلها عامّة الناس في الداخل السوري، وهم أكثر الناس عرضةً للمشاكل التي تصاحبهم يومياً.
كثيرة هي التساؤلات التي بحاجة إلى مزيد من السجلات حتى نتمكن من تدوينها، وحل مشكلاتنا نحن السوريين، الذين عانينا ما عانيناه من شقاء، وواجهنا من آلام.

نعم، هي آلام، وآلام مريرة، ويراد لها حلول تُصاغ بقالب يمكن معها أن نعيد لأهلنا جزءاً من كرامتهم المهدورة، التي، وللأسف، لم تعد تهم الكثيرين ممن صاروا يحتالون على الواقع الذي يعيشون أيامه بكل سخط، وأنفاس ضيّقة!

من خلال تلك المعطيات والأحداث والتطورات، والمعالجات التي يمكن أن تحمل، ولو جزءاً بسيطاً من المعاناة التي استوطنت في أجسادنا، وأجهدت عقولنا، وتحمّلناها على مضض، ونبذتها أعرافنا، وكل ما يمكن أن يهيئ لها الطريق في سبيل أن نعيش حياة فيها الكثير من المصداقية، والحب، والاحترام مع بعضنا البعض، يمكن أن نقول إننا ما زلنا نبحث عن الخروج من عنق الزجاجة للعيش بكرامة، وباستحياء مما حل بنا، وهذا ما يجعلنا توّاقين أكثر فأكثر إلى الحب والاحترام، وهذا أقلّها، للوقوف على ما يجري من ترّهات على الأرض، وفجوة ضيّقة نأمل أن تُسد حتى يتمكن المواطن السوري، الذي عانى ما عانى من فقر مدقع، وإفلاس حقيقي، من أن يستجيب ويعيش بأمان في ما حوله من أحداث مؤسية، أصابته في الصميم!

وبعد مجمل هذه الأسئلة التي ذكرنا هل نستحق الحياة؟! وما دام أنَّ من يقرر قدرنا قيادة حكيمة وباسلة وشجاعة نقشت ما أرادت في عقولنا على مرّ السنوات البعيدة التي قضيناها في صورةٍ بغيضة، لم يكن هناك أي إرادة يمكنها أن تغيّر من عيشنا الذي بني أصلاً على التهميش والقلّة، وإن رضي المواطن بكل ألوان الطيف المرسومة التي عانى منها، ما ألزمه الصمت والرضا بالمقسوم، وإلا سيكون مصيره الموت الزؤام في ظل عصابة لا تعرف سوى القتل والتدمير والتشريد، والرقص على الأشلاء، وأدناها شراسة وإذلالاً، الإهانة أو السجن!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.