عن المواقف السهلة

عن المواقف السهلة

24 اغسطس 2017
+ الخط -

(مستنقع الانفعال)

الردّ على الفلسطيني المؤيَّد للأسد لا يكون بمديح الاحتلال، والردّ على السوري المؤيّد للأسد لا يكون بمديح "جبهة النصرة"، والردّ على الكرديّ القومي العنصري لا يكون بمديح صدّام حسين، والردّ على الصهيوني الإسرائيلي لا يكون بمديح هتلر والمحرقة. والردّ على اليساري التونسي الذي زار الدكتور بشار الأسد، لا يكون بشتم كل تونس ومديح نظام بن علي. خود نفس ولا تزت حالك بالمستنقع بسرعة، هيك بتخسر أكيد.

(عن الإرادة المستقلة)

عندما "تحرّر" الفصائل الإسلاميَّة، كـ"جبهة النصرة" و"جيش الإسلام"، منطقة ما في سوريَّة، يصبحون ثوّارًا وأحرارًا. وعندما يبدؤون بتطبيق مشروعهم الخاص في المناطق التي "يحرّرونها" يصبحون عملاء للنظام، ومخترقين من قبل نظام الأسد.

بعد ستّ سنوات، ما زال بعضهم غير قادرٍ على التعامل مع الإسلام الجهادي كفاعل مستقل، وذي مشروع وتطلّع خاصّ وفئوي في سوريَّة. النظام السوري مسؤول عن "العفن" الحالي، أكيد، ولكن، صار هذا مستقلاً، وله آلياته الذاتيّة الخاصَّة، وزوال النظام لا يعني فورًا زوال هذا "العفن".

اختطاف أعضاء مركز توثيق الانتهاكات وإغلاق الصحف ومحاربة النساء ووضع العلويين في أقفاص في الغوطة، وقتل أفراد من الدفاع المدني، ليست أفعالاً يقوم بها جهاديون بإيعاز من النظام الأسدي. السلفيون الجهاديون لديهم إرادة وقحة، وقادرون على فعل كل هذا. والقصّة بحاجة إلى شويّة وضوح، ثمّة جماعات وأفراد فضّلوا نظام الأسد على العيش تحت ظلّ هؤلاء.

(عن "خصوصيتي الثقافيّة")

في الغرب، لن أنكر الإسلام كتهمةٍ وشبهة، ولن أثبت أمام أحدٍ بأني لست مسلمًا متطرّفاً، كي أنال من أحد ما مرتبة معنوية أو مادية ما. لن أقبل مديحك لي بأني أتحدث الألمانيَّة بطلاقة "غير باقي اللاجئين الكسولين"، لأني لن أصبح أداتك كي تحقّر الآخرين من خلالي.

الحلق في أذني ليس دليل اندماج أو رغبة تشبّه. ولن أبدد الخوف المسبق لدى أي امراة غربية، لديها رزمة أفكار حول الذكور العرب، لتبقى غارقةً في مخاوفها. إذا وجدت فلوساً على الأرض سأدسها في جيبي. واذا رأيت ألمانياً يغرق، فلن أساعده قبل 
أن أتأكّد من سلامتي، فحياتي مهمة أيضاً، ولا أعطيها فداء لأحد.

لن آكل لحم الخنزير الذي ينزل كالسم على معدتي، كي أنفي تهمة الهوية. ولن أشرح لك "صراع الأديان" في سورية. لن أتحدث عن "خصوصيتي الثقافية" قبل أن تحدثني عن خصوصيتك. سأصمت عندما تشتم أردوغان وتمدح "روجافا"، وتتحدث عن إرهاب "داعش"فقط. سأطنشك تمامًا كما تطنش الأسد. باختصار، لن أصبح على مقاس ما تسمعه، بل حاول أن ترى وتتعلم أكثر. وإن لم يكن لديك خلق، فدعني وشأني.

(الاتحاد العام للشغل)

اليسار التونسي بحاجة عاجلة للمساعدة من أجل التفريق بين كارل ماركس وبشار الأسد.

(عن المواقف السهلة)

مُعاداة إسرائيل في العالم العربي، أمرٌ سَهلٌ وبديهيٌّ، ولا تتطلّب تركيبًا في التفكير. إسرائيل كيانٌ خارجٌ عنّا تمامًا، هويَّته مغايرة، ولغته منفصلة، احتلالٌ خارجي، وهو نظام عنصري ليس له علاقة بصراعنا الطائفي أو بـ"عفن" الأفكار المُعتنقة في أوساطنا، بالعكس، كثيرٌ من الجماعات والأفكار والأحزاب تشكّلت لعداء إسرائيل، هو عداءٌ يُشكِّل.

معاداة نظام الأسد، الاحتلال الداخلي، أمرٌ معقّد ومركب، فهو حامل لواء أيديولوجيات وأفكار يؤمن بها الكثيرون منا، وهو "المقاوم لإسرائيل" التي نقاومها، وهو 
المصطبغ طائفيّاً لدرجة تحرج الطائفيين لدينا، وهو الطرف الفعال في الحرب والطائفيّة، معاداة الأسد تتطلب نقدًا ومراجعة لكثير من الأفكار، هو عداء يفكّك.

معاداة الأسد تتطلّب تركيبًا أكثر في التفكير من معاداة إسرائيل، وبالتالي، تحتاج إلى ضمير أعمق وإحساسٍ أشدّ بالعدالة. وأحياناً، عند كثير من الناس، كالمغمض العينين دومًا مارسيل خليفة، معاداة إسرائيل، هذا الموقف السهل (الواجب والأخلاقي طبعاً وهذا ليس محل نقاش)، هو هروب من معاداة الأسد، أو.. للتماهي معه.

دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية:

مدونات أخرى