قلقيلية كما تذكرها الوثائق

قلقيلية كما تذكرها الوثائق

23 اغسطس 2017
+ الخط -
"كان اسمها العقيلية، والآن أصبح كفر سبع". بهذه الثقة أجاب الضابط الإسرائيلي الشاب الراهبة الفرنسية حين سألته عن اسم المدينة في عام 1967.

بحسب ما ذكره محافظ المدينة فإنّ نصف سكانها هربوا إلى الجبال أثناء اشتعال المعارك، فيما طُرد النصف الآخر، بالتدريج، بعد أن استولى جيش الاحتلال عليها. في البداية أُعلن حظر التجوّل مدة ثلاثة أيام، أُغلقت فيها أبواب البيوت على ساكنيها وأُمروا بعدم مغادرتها، ثمّ أُحضرت الحافلات وقيل لهم: "اهربوا، الطائرات العراقية قادمة وتقصف البيوت". وفي اليوم التالي لم يجد الأهالي ما يأكلونه فقيل لهم اذهبوا إلى نابلس. بذلك بدأ النزوح الكبير، وبدأ الجنود بنهب البيوت ونسفها. 

تقول الراهبة مجهولة الاسم: "في نابلس رأينا مئات العوائل تنام في العراء. إنّهم من العقيلية وقد حُرّمت عليهم العودة إلى بيوتهم"، وتضيف: "أمام البناية المتداعية لمحافظ المدينة وقف خط طويل من الناس ينتظرون الخبز المرسل إليهم، بحسب قول أحد الضباط الإسرائيليين، من إحدى الجمعيات. وفي ذلك الوقت كان راديو صوت إسرائيل يذيع بيانًا كاذبًا عن الوضع في العقيلية (عاد أهالي العقيلية إلى مدينتهم. سكان البيوت التي تدمرت بسبب القصف استلموا عونًا من الحكومة. الحياة الطبيعية تعود إلى المدينة)".

"العقيلية" هكذا ورد اسم المدينة في شهادة الراهبة الفرنسية المنشورة عن دار الجمهورية في بغداد في عام 1968، لكنّ أيًا من المصادر المتاحة، على كثرتها، لن تقود الباحث إلى مدينة فلسطينية تحمل هذا الاسم. 

في مذكراته غير المنشورة، يروي رئيس بلدية نابلس؛ حمدي كنعان، أنّ المدينة استقبلت في تلك الأيام 30 ألف لاجئ من المدن والقرى المجاورة كانوا يعانون بؤسًا ظاهرًا، خصوصًا أولئك القادمين من قلقيلية. وأنّ مندوبين من وزارة الدفاع جاءوا يطلبون إليه مساعدتهم في اختيار مكان ملائم يقيمون عليه مخيمًا لإيواء هؤلاء اللاجئين، إلّا أنّه رفض بشكل قاطع أن تكون له يد في هذا الأمر لما قد يترتب عليه من نتائج، فانصرف المندوبون من دون أن ينالوا ما جاءوا يسعون إليه. ولعلّ هذا الموقف الصلب لرئيس بلدية نابلس برفضه منح اللاجئين بديلًا عن قراهم ومدنهم، ولو على هيئة خيم مؤقتة يبيتون فيها، إلى جانب سعيه المتواصل لحلّ مسألتهم، هو الذي عجّل عودتهم إلى بيوتهم بعد أيام قليلة. 

عاد جزء من أهالي قلقيلية إلى مدينتهم وهم يعلمون أنّها "مُسحت"، كما وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان آنذاك. ومرة أخرى فُرض عليهم حظر للتجوّل، وتكررت حملات التفتيش عن الأسلحة. في ذلك الوقت، وكما جاء في الرواية الأولى، بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تنشر أخبارًا دعائية موثقة بالصور عن منح ومساعدات قدمتها حكومة الاحتلال للمنكوبين العائدين إلى المدينة.

على الخريطة تظهر مستوطنة كفار سابا لصيقة بقلقيلية، تمتد على طول جهتها الغربية، ولا يفصلها عنها سوى جدار الفصل العنصري الذي يطوّق المدينة من جهاتها الأربع. والمستوطنة، بطبيعة الحال، تبتلع معظم أراضي قرية كفر سابا المدمرة عام 1948، وجزءًا من أراضي قلقيلية. 

بذلك، بات واضحًا أنّ خطأً ما قد وقع في ترجمة شهادة الراهبة الفرنسية إلى اللغة العربية؛ فعلى ما يبدو أنّ "العقيلية" هي "قلقيلية"، و"كفر سبع" هي "كفار سابا"، لكن أيًا كانت المسميات، تظلّ روايات من كانوا شهودًا على الحدث تشير إلى جريمة واحدة. وعلى ما يبدو أيضًا أنّ نية الاحتلال بمسح هذه المدينة وتهجير أهلها ونهب أراضيها ظلّت قائمة، فالمدينة اليوم عبارة عن معتقل مسوّر له مخرج واحد مُراقب، وأراضيها عرضة للمصادرة، وأهلها بين مقيم مأسور أو مهاجر مغترب. وإذا كانت حرب حزيران/ يونيو قد انتهت قبل نصف قرن، فإنّ سكّان مدينة قلقيلية لا يزالون، حتى وقتنا الحاضر، يعيشون حربهم اليومية في أدق تفصيلات حياتهم.  

D88F6515-2641-4B76-9D90-9BDC22B8B5E4
منى عوض الله

محررة ومساعدة باحث لدى مشروع بحث وتوثيق الحركة الوطنية الفلسطينية.