هل تعلم أن المجاني أكثر قيمة من المدفوع؟

هل تعلم أن المجاني أكثر قيمة من المدفوع؟

07 يونيو 2017
+ الخط -
يتضح لي من خلال المواقع الإلكترونية، أن كل ذي قيمة مجاني وكل ما هو فارغ.. مدفوع! هي محيرة بعض الشيء أليس كذلك؟

لأعطيك بعض الأمثلة: كثير من البرامج الوثائقية الثقيلة دماغياً والتي تعتبر كنوزاً معرفية خالصة متاحة على اليوتيوب، وبإدراج الشرح وأسماء فريق العمل وبالدقة التي تتناسب مع رغبتك وسرعة الإنترنت لديك، بينما مسلسل "حريم السلطان" مشفر! وإن أردتَ مشاهدته فعليك الدفع للاشتراك في إحدى الشبكات التلفزيونية العملاقة لتعطيك ضوءاً أخضر يتيح لك رؤية هذه التحفة الفنية العبقرية.

البث المباشر لمحطة الفضاء الدولية متاح مجاناً و24 ساعة، بينما دراما رمضان مشفرة، ولا يمكنك متابعة شيء منها وجمع المعلومات الياقوتية، والتي قد تنقذ الجنس البشري بأكمله إلا بدفع التكاليف.

لنناقش يا عزيزي هذه الظاهرة، هل هي استخفاف في عقل المتابع؟ أم أن المتابع هو من قادهم إلى هذه المتاجرة الانتقائية؟ فهم يرغبون في الربح لا محالة وهو شيء طبيعي ولا نلوم فيه أي منشأة، ولكنهم يستهدفون بربحهم فئات تلهث وراء الدراما فقط! ويعلمون مسبقاً أن جمهورهم لا يكترث بالوثائقيات: "فلنتركه مجاناً لهم.. لن يدفع فلساً من أجله أحد.."، لا أعلم من الذي قال هذا، لكنه لا بد قول لأحد مديري الشبكات التلفزيونية.

ومن ناحية أخرى، تعلم هذه الشبكات العملاقة أن جمهورها لا ناقة له في الوثائقيات ولا جمل، فتترك هذه الكنوز متاحة له عله ينهض يوماً، وعليه يستفيق ويحث ابنه على الاشتراك في إحدى القنوات الوثائقية على اليوتيوب، لربما حاله قد يرتقي ويدمن هذه القنوات الثمينة التي تعرض علماً ليل نهار وبمختلف اللغات.

ولنعد إلى "حريم السلطان"، ما هي الفائدة المرجوة من مشاهدات كهذه؟ وما الذي قد تنتظره أيها المشاهد من هذه الأحداث التي قد كذبت بمضامينها التاريخية، وشوهت بمضامينها التشخيصية، وافتقرت إلى الرسالة؟ وباتت حكاية مستودع نساء شاء له المخرج والكاتب أن يسمّى حرملك، وكاد السلطان ودولته أن يكون ألعوبة بيد حريمه ويا لها من حقائق!

ألم تسأل نفسك يوماً لماذا تشاهد "باب الحارة" مثلاً بأوقات محددة وبطريقة محددة وإن أردت غير ذلك فعليك أن تدفع؟ بينما آلاف المهارات قد تتقنها بملايين الفيديوهات على اليوتيوب ويمكنك أن تتابعها بالطريقة التي تحلو لك دون دفع أي مال؟

هل تعلم أن قناة "الجزيرة الوثائقية" تنتج أفلاماً وثائقية قد تصل إلى العالمية، وبإمكانك أن تجدها مجاناً، وبدقة قد تدهشك، وإن أردت أن تمسك ورقة وقلم لتسجل المعلومات الواردة في كل فيلم، قد تحصل على عشرات الصفحات من المعلومات القيمة التي قد أعدتها لك هذه القناة كوجبة دسمة لتطرحها لك على موقع اليوتيوب. بينما أفلام هوليوود التي قد تكون بلا أي قيمة وقد يصل بعضها إلى صفرية المضمون فلن تستطيع مشاهدتها إلا إذا اشتركت بمواقع كالـ"نت فليكس" وغيرها.. 

فلنقارن سمعاً بين مسلسل وثائقي اسمه "أثيوبيا على الأقدام" للمغامر لؤي العتيبي، وبين مسلسل "صراع العروش"، وأنا متأكد أنك ستعرف الأخير ولن تعرف الأول، لكنني أسألك حباً بالله أن تشاهد كلاهما وتسأل نفسك.. أيهما أكثر احتراماً لعقلك.. ولإنسانيتك؟ وأيهما أقل تكلفة؟

074C0853-666C-4C08-B790-7BB0EE69C856
نور عجوم

كاتب صحافي... بدأت بالعمل الصحفي في سوريا ثم تابعت في عدد من الصحف الهولندية.