من بيروت إلى مطار نيو أورلينز

من بيروت إلى مطار نيو أورلينز

28 ابريل 2017
+ الخط -
بعد أقل من خمس ساعات، حطّت طائرة الإيرباص مع حمولتها، وركّابها الذين تجاوز عددهم المائتي راكب، في الأراضي الفرنسية قادمة من بيروت.

وفي مطار ديغول الدولي، كانت فترة الانتظار مملّة، بحيث ألّبت مخاوف المسافرين إلى جهات سفرهم المختلفة، سواء إلى فرنسا، البلد الأم، أم إلى أوروبا أو الأميركيتين، وغيرها من القارات الأخرى.

كان المطار يحفلُ بكلِ شيء، وتميّز أينما توجّهت في داخله. وأكثر ما يُلفتُ نظركَ الزجاج الذي تشتهر به فرنسا والذي يغطي قسماً كبيراً من خدمات المطار، وهو على طراز نادر، ومشغول بطريقة فيها الكثير من الإبداع والحرفية والتفرد، أضف إلى مقاعد الجلوس وتوزّعها، وبشكلٍ دقيق ومدروس، ناهيك عن المقاهي الصغيرة الحجم، والمطاعم التي تتوزّع داخل البوابات، محطّات الإقلاع، وأماكن تواجد المسافرين، ما يلفت نظر المسافر!

وبعد أن قضينا حوالي الثلاث ساعات في أرض المطار بانتظار موعد الإقلاع الثاني، على متن الطائرة الفرنسية والمتجهة إلى ولاية جورجيا الأميركية، وبالتحديد إلى مدينة أتلانتا، والتي تعد من المراكز الرئيسة لتوجه المسافر من أوروبا إلى أميركا، غالب المواطن الكثير من الشكوك، وتخوّف من تأجيل موعد الرحلة المقرّر إلى اليوم التالي بسبب عطل فنّي طارئ أصاب الطائرة، وهو في طريقه إلى الإصلاح، بحسب ما علمنا من الطاقم المساعد للطائرة.

وبالفعل، انتهت الإجراءات الفنيّة وبسرعةٍ مذهلة، وتمكّن الفريق الفنّي من التغلّب على العطل، بعد أن كنا متخوّفين من تأجيل موعد الرحلة، أو إلغائها!

وفي طائرة الإيرباص العملاقة هذه، اختلف الموقف تماماً، من حيث أعداد الركاب، والخدمات داخل الطائرة، وباتساعها، وسعة مقاعد الجلوس، وخدمات الضيافة، وتوافر الحاجات الضرورية التي وضعت خصيصاً لخدمة المسافر، وتحكّمه بأجهزة الكمبيوتر المخصصة لكل راكب على حدة، وهو بنفسه يُمكنه متابعة ما وفّرته الشركة للمسافر، من الخدمات الترفيهية عالية الجودة، والتي يمكنه استعمالها مجاناً طوال فترة الرحلة الممتدة من فرنسا، وحتى جورجيا ـــ أتلانتا، والتي امتدّت إلى أكثر من عشر ساعاتٍ متواصلة.

بعد مرور أكثر من عشر ساعات من السفر المتواصل، وصلنا أخيراً أرض الأحلام، وهناك دخلنا ضمن قاعة كبيرة، مخصّصة لاستقبال المسافرين، المتجهين صوب هذه الولاية، وإلى الأماكن الأخرى، ترانزيت ووجهات غير محددة وجهات سفرها.

وفي هذه القاعة، ما عليك إلا أن تقف منضبطاً بالصف، وبحسب الرتل الذي يحددونه لك. وهنا ستواجه موظف الهجرة، الذي لا مفرّ من أن يواجهك بسيل من الأسئلة وما أكثرها. عن سبب الزيارة؟ وإلى من؟ وكيف تقضيها؟ وما هو المبلغ الذي تدّخره في محفظتك؟ وهل يكفي فترة زيارتك؟ وإلى أين ستكون وجهتك بعد ذلك؟ والكثير من الأسئلة، وبصورةٍ محدّدة، لحملة التأشيرات السياحية، وهؤلاء لهم وضعهم الخاص. أضف إلى أنه سيتم تحويلك من الوقوف في الصف الأساس إلى موظف آخر، ومهمته، أن يقوم بإيصالك إلى آخر تقتصر مهمته دراسة مثل هذه الحالة والبت فيها ليصار بعد ذلك إلى الموافقة على خروجك خارج المطار، أو إكمال وجهة سفرك.

هناك، يمطرونك بالكثير من الأسئلة، وقد تستمر فترة الانتظار ساعات ثلاثا، وأكثر، بحسب الدور، والأشخاص الذين ينتظرون لأخذ الموافقة على الدخول إلى أراضي الولايات المتحدة. وقد يلجأ موظف الهجرة إلى أن يحرمك من الدخول إلى العالم الجديد إذا لم يعجبه الرد على الأسئلة المطروحة، واقتنع تماماً بإجابتك، وفي هذه القاعة المخصصة للكثير من الجاليات العربية والآسيوية والأفريقية، وحتى المسافرين من دول أخرى، كروسيا وأوروبا، يتعرّضون للأسئلة، والأسئلة المملة.. وهذا من حقهم!

وأنت في القاعة تنتظر أخذ دورك؛ قد يفوتك موعد الطائرة المخصّصة للسفر إلى حيث وجهة سفرك، نتيجة الفترة الطويلة التي تقضيها فيها. إلا أنك ستضطر إلى تغيير وجهة سفرك مرةً أخرى إلى شركة أخرى، وإن كان هذا لا يكلفك شيئاً، وإنما، يؤخرك كثيراً عن موعد الوصول، الذي سبق وأن تم تحديده مسبقاً مع الأصدقاء الذين ينتظرون وصولك في المطار، في بلد الجهة التي تنوي الذهاب إليها.

في الإقلاع الثالث، والأخير، حيث وجهتنا إلى ولاية لويزيانا الأميركية، والتي تقع في أقصى الجنوب الغربي، على حدود المكسيك، وبعد أن قطعنا أكثر من ساعة من ركوب الطائرة، وحلقت على ارتفاع ما يقارب من ثلاثين ألف قدم، وهناك، وصلنا إلى مطار نيو أورلينز، وهي المدينة الرئيسية في لويزيانا، حيث مكان إقامتنا، وبمجرد مغادرتك للمحطة الأولى، في أراضي الولايات المتحدة، وهي كما ذكرنا، الانتهاء من إجراءات السفر، وتحديد الفترة التي ينوي المسافر إقامته في أميركا، ما عليك إلا أن تتجول في جميع أنحاء الولايات، سواء في الباص، أو القطار، أو المترو، أو في الطائرة، وفي السيارة، وغيرها من وسائل النقل المتوافرة هناك.

وفي أميركا يكادُ لا يوجد شعبٌ في العالم القديم، إلاّ وله جالية في هذا العالم الجديد، في مساحة تبدو وكأنها لا آخر لها، في بيئات جغرافية متفاوتة، من المدن الكبرى، إلى القرى الصغيرة، إلى الجبال المغطاة بالثلوج، إلى المساحات الشاسعة.. من السهول الزراعية، إلى الصحراوات الحارّة الكبرى التي تُضارع صحارى آسيا وأفريقيا.

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.