إني خيّرتك يا مصر فاختاري

إني خيّرتك يا مصر فاختاري

06 مارس 2017
+ الخط -

ما أصعبه من يوم يعيشه نجم الكرة المصرية، ومحبوب الجماهير العربية، محمد أبو تريكة. ما أصعب ألا تستطيع وداع من تحبّ وحضور جنازة من تحبّ. ما أصعب أن يصبح الوطن الذي ضحيت بكلّ شيء من أجله هو السجّان وهو العذاب. محمد أبو تريكة، يتلقّى خبر وفاة والده عبر الهاتف، كما يتلقّاه أي مواطن عادي، وربما سمع الخبر، كما سمعناه من المواقع العربية، كما سمع معظم المحبين.

إنَّه في وَضْعٍ لا يُحسَد عليه، فرجوعه إلى مصر يعني السجن، وبعده يعني حرقة أخرى على والده الذي افتقده اليوم. أي نظام هذا الذي يحرِم إنساناً من حريته ومن وطنه ومن حقوقه ومن أحبته بسبب محاولة بائسة لإخضاعه لأوامر الديكتاتور، أو على الأصح كما عبر أحد الأبواق الإعلاميّة، تامر أمين، حين توجه بنصيحة وهي زلة لسان نطقت حقاً، مفادها أن على أبو تريكة أن يقوم بحركة جنهمية حسب تعبير تامر أمين وهي التبرع لصندوق "تحيا مصر" لإثبات إخلاصه وولائه لمصر. ولا نعرف أي مصر تلك التي قصدها تامر أمين بنصيحته. هل هي مصر ما بعد الثلاثين من يونيو التي تهجّر أبناءها وتطاردهم، ومن بقي منهم تقتله وتبتزُّ البعض؟ أم مصر الثورة التي أرادت الوطن للجميع فاختارت قلّة طعنها في ظهرها، وسجنت مصر كلها.

من كان يتوقع أن يأتي يوم على مصر، وعلى المصريين، يُصنَّف فيه أبو تريكة إرهابياً، ويطارد ويحرم من توديع أعزّ الناس على قلبه، بينما تدفع الملايين وتحشد الوفود وتقف مصر على قدم وساق من أجل أن يتنازل نجم الكرة العالمية، ليونيل ميسي، وتطأ قدماه أرض الكنانة المحروسة.

الآلاف قد يحضرون جنازة والد النجم المحبوب بمحافظة ناهيا بالجيزة، وأبو تريكة سيكتفي بمتابعة الجنازة كما نتابعها نحن، وسيشمَت الإعلاميون، وشعب ثلاثين يونيو 2013،  كعادتهم. كم أنت قاسية على أبنائك يا مصر، أو أريد لك أن تكوني كذلك. يا مصر قومي وشدي الحيل، اصرخي في وجوههم، وانتفضي نصرة لآخر الشرفاء الذين تبقوا فيك، أنت الوحيدة القادرة على أن تأتي بحقهم ولا أحد غيرك.

إنّي خيرتك يا مصر فاختاري ما بين العودة للقيادة والريادة، وما بين حكم العسكر والبيادة، ما بين مصر التي تنتج غذاءها وسلاحها بيدها، وبين مصر التي أصبح جيشها أضحوكة بين الأمم بسبب قيادة عسكرية متهورة، وأجبر مصر على أن تمد يدها لصندوق الدولي ليعجزها، وللبعض ليسلبها إرادتها وحريتها.

ما بين جنَّة الثورة المصريَّة التي ألهمت العالم، لولا الخطّة المُحكَمة للقضاء عليها، وما بين نار عسكريّة لا تبقي ولا تذر، وعدت فأوهمت وأخلفت وفرقت، ثم تلاعب بمصر الكبيرة وتاريخها. فوجد المصريون أنفسهم في أسوأ فترة في تاريخهم، بسبب أحلام القائد العسكري الطائشة. 

إنَّه يمضي بمصر نحو الطريق التي رسمها لنفسه القائد والزعيم البطل بدون حرب، الملهم دون رواية، صانع المجد الذي لم يتحقّق، من رضي عنه وأرضاه يعيش في نعيم مصر، ومن غضب عليه أذاقه من جحيم مصر ما يعجز اللسان عن وصفه.

فإلى متى سيظل الحال هكذا يا مصر الكبيرة؟

أما أبو تريكة، فيكيفه حب العالم واحترامه له، ولا نملك إلا أن نسأل الله أن يصبره ويعظّم أجره، ويجيره في مصيبته، فهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير.

D127B5A7-B6C4-4CC3-AB0D-021CE7601547
الشيخ محمد المختار دي

صحافي بفضائية القناة التاسعة وكاتب بمواقع عربية. حاصل على إجازة أساسية في علوم الإعلام والاتصال من معهد الصحافة بتونس، وعلى بكالوريوس أداب من جامعة نواكشوط، ومقيم في إسطنبول.