"لالة عيشة" جنية المغرب

"لالة عيشة" جنية المغرب

13 ديسمبر 2017
+ الخط -
"طَالْبة التْسْليمْ، طَالْبة التْسْليمْ أَلْجْوَادْ" تقول إحدى النساء في عقدها الرابع، وهي ترش ماء الزهر بيدها داخل "حفرة لالة عيشة"، وهي تتأوه وتنوح، لتذهب بعدها إلى سور "لالة عيشة مولات الويدان" وتنصب عليه الشموع المشتعلة، متوسلة إياها أن تحقق مرادها، بينما صديقاتها يقلن لها وهي تخرج من "الحفرة" "الله ابْلّْغْ المْقْصودْ"، إننا في حضرة أحد طقوس موسم سيدي علي بنحمدوش.

يوجد ضريح سيدي علي بن حمدوش بمنطقة قيادة المغاصيين، التي تبعد عن مدينة مكناس 15 كيلومتراً تقريباً، وبالقرب من الضريح، توجد شجرة تين "الكرمة" تذبح بجانبها القرابين، وتقدم فيها هدايا يقتنيها الزوار من سوق الموسم لنيل البركة، وتحقيق مرادهم.

ويحكى أن "لالة عيشة" أو "عيشة السودانية" أو "سيدة المستنقعات"، كلها أسماء أطلقت على الجنية الأكثر شعبية في المغرب. ترسمها الخرافة على أنها امرأة بالغة الجمال تخفي خلف ثوبها الأبيض قدمين تشبهان قوائم البغال أو الماعز. ويُزعم أنها تظهر ليلاً في الغابات وبجوار مجاري المياه.

وحسب المعتقدات الشعبية فإن "لالة عيشة" تقوم بقضاء أغراض زوارها شريطة الالتزام بالعهد، المتمثل في تقديم القرابين "الهْدِيَّة" كل سنة. وغالبية زوارها من النساء اللواتي يرغبن في الزواج، أو استرجاع الحبيب أو غير ذلك، وكذا هناك من يزورها لأجل الاستشفاء، أو تيسير عملية الحصول على "الفيزا"...


طقوس تقديم الهدية لـ"لالة عيشة"

في الأيام القليلة التي تلي مناسبة عيد المولد النبوي الشريف، خصوصاً يومي 17 و18 من ربيع الأول من كل سنة هجرية. تتوافد الهدايا والقرابين على حفرة "لالة عيشة" التي تتدلى من فوقها شجرة التين "الكْرْمَة"، المتواجدة على بعد أمتار قليلة من ضريح سيدي علي بنحمدوش. إذ يتوجب على كل من يأتي بالهدية أن يتبع طقوساً معينة، منها أن يذهب في اتجاه الحفرة وهو حامل في كلتا يديه طبقاً يحوي قنينة ماء الزهر وعلبة السكر وشمعاً وحليباً، بالإضافة إلى الحناء وحفنة من البخور، والكل مغطى بثوب أبيض. إذ يصل ثمن الطبق الواحد إلى 150 درهماً. بيد أن الميسورين مادياً، فإن هديتهم "لالة عيشة" إضافة إلى ما سبق تتكون من أبقار وأغنام تقتنى من عين المكان، ويتم اقتيادها في موكب اتجاه "الحفرة" تحت نغمات "كناوية" أو "عيساوية"، تصاحب مُقَدِّم الهدية إلى أن يصل "للحفرة" وذلك بمقابل مادي طبعاً.

تجديد العهد مع "لالة عيشة"

يداوم على هذه الطقوس العديد من الأشخاص، ففي كل سنة يعمدون إلى تقديم الهدية "للاعيشة"، ومن بين هؤلاء الدجالون والسحرة و"الشوافات" وغيرهم، وذلك لمباركة أعمالهم السحرية. إذ علمنا من مصادر مطلعة أن كل واحد من هؤلاء أثناء عمله يخصص ما يقارب الربع مما يجنيه للهدية أو القربان الذي سيقدمه "للاعيشة"، حتى يضمن وفاءها له، ليتيسر له كل ما يقوم به من شعوذة. فقبل أن يحترفوا في هذا الميدان يطلبون أولاً مباركة "للاعيشة"، حيث وصل الحال ببعضهم أن مكث في ضريح سيدي علي بنحمدوش لمدة عامين، حتى رخصت له "للاعيشة" الذهاب، وهذا قبل أن يتم منع المبيت في الأضرحة والمساجد بالمنطقة.

كما نجد كذلك عين ماء قريبة من ضريح سيدي علي بنحمدوش تسمى "العين الكبيرة" يتم استغلالها في أعمال الشعوذة، إذ يطلب من كل من يريد أن يتخلص من الحظ العاثر والنحس أو "التَّابْعَة"، أن يستحم في تلك العين بمقابل مادي، وبعد اغتساله يرمي ملابسه الداخلية ليتخلص من النحس، وذلك وفق طقس محدد، إذ يقف وهو يدير ظهره للوادي الذي توجد به العين ويرمي الملابس بيده وراء ظهره مردداً عبارة: "رانِي رْمِيتْ التَّابْعَة ماشي الْحْوَايْجْ".

رأي القانون المغربي في هذه الممارسات

في هذا الصدد، يرى الأستاذ خالد أفتحين محامي بهيئة فاس، أنّ "القانون الجنائي المغربي لم ينظم بصريح النص مثل هذه الممارسات، مما يضفي عليها سمة الإباحة استناداً لمبدأ الشرعية "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص". إلا أنّ هذه الممارسات قد يعاقب عليها قانونياً، في حالة اتصافها مثلاً بالنصب واحتراف التكهن أو التنبؤ بالغيب، التي يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي".

ويضيف أن "هذه الممارسات إذا اقترنت بأفعال أضرت بالغير وأوقعته في الغلط، فإنها تدخل آنذاك في النصب والاحتيال".

ويشير الأستاذ خالد أفتحي إلى أن "الدستور المغربي وإن كان ينص على أن دين الدولة المغربية هو الإسلام، فإن هذه الممارسات لا تشكل جريمة من هذا المنظور، وإن كانت تعد شركاً وخروجاً على الدين الإسلامي، كون القانون ينص أصلاً على حرية الاعتقاد، في حين يعاقب كل من حاول زعزعة عقيدة مسلم، أو التأثير فيه لتغيير دينه الإسلامي واعتناق دين آخر".

لماذا ترسخت هذه الممارسات في المجتمع المغربي؟

إذا نظرنا إلى هذه الممارسات من زاوية سوسيولوجية نجد أنها ارتبطت بجانب فهم الطبيعة، مما يجعل من الصعب الحسم في القضاء عليها نهائياً، كونها تشكل معتقداً عند فئات عريضة. إضافة إلى هذا، فإن عجز العقل البشري عن فهم بعض الظواهر، مثل الغيب مثلاً، يجعل من هذه الممارسات الطريقة الأقرب لتلبية حاجياته، وبالتالي الإقبال عليها، خاصة وأننا نعيش مرحلة انحطاط فكري، فإن بعض الفئات كالدجالين وغيرهم يستغلون الفرصة لزرع الوهم وترسيخ هذه "المعتقدات" لأجل الإثراء، لا أقل ولا أكثر.

دلالات