"ميخالة" المغرب... النفايات مصدرا للعيش

"ميخالة" المغرب... النفايات مصدرا للعيش

29 مارس 2018
+ الخط -
"الميخالة" أو "البوعارا" ألفاظ يطلقها المغاربة على الأشخاص الذين يجمعون النفايات القابلة لإعادة التدوير من حاويات القمامة في الشوارع والأزقة، متحملين روائح تزكم الأنوف والمناظر المقززة للنفايات في سبيل الحصول على لقمة العيش. ويستعملون في ذلك عربات تدفع يدويا، أو دراجات نارية. ويقدر عدد "الميخالة" في المغرب بأزيد من خمسين ألف شخص، ينشط معظمهم في المدن الكبرى كالدار البيضاء.

"الميخالة" مصدرا للعيش
"تركت المدرسة في الصف السادس بسبب مشاكل عائلية وصعوبات مالية، يحكي خالد، وهو شاب في عقده الثالث، ويعيش من "الميخالة" منذ أزيد من اثنتي عشرة سنة؛ الأسباب التي دفعته إلى العمل في البحث عن المتلاشيات ذات القيمة، إذ يقول: "الظروف المادية لعائلتي لم تسعفني في إتمام دراستي"، مما دفعه إلى مغادرة قريته الصغيرة متجها صوب مدينة أكادير، وهناك اشتغل في أعمال البناء والفلاحة، وكلها أعمال لم يلق فيها راحته المادية والنفسية.

وتابع قائلا: "كلها خدامي فيها الحكرة" (الظلم مصحوبا بالاحتقار)، وهذا ما دفعه إلى العمل كـ"ميخالة"، وذلك بمساعدة صديق له يشتغل في المجال ذاته، حيث عرفه على الشخص الذي يبيع له كل ما تلتقطه يداه من متلاشيات ثمينة، وهو ما شجع خالد أكثر على امتهان هذه المهنة رغم ما تتخبط فيه من مشاكل؛ لأنها مهنة حرة.

وخالد كغيره من الأشخاص الذين اختاروا هذه المهنة لكونها حرة من جهة، ومن جهة أخرى أن دخلها المادي جيد نسبيا، إذ كلما كانت كمية المتلاشيات التي جمعها كبيرة وجيدة انعكس ذلك بشكل إيجابي على إيراداته.

يوميات "ميخالة"
ويبتدئ خالد عمله في الصباح الباكر، حوالي السادسة صباحا مصطحبا معه عربته المهترئة، ويبدأ جولته الصباحية بحاويات الشارع الرئيسي الذي يبعد عن مسكنه حوالي نصف ساعة مشيا على الأقدام، منه يبدأ بالبحث بكلتا يديه في حاويات القمامة دون أية معدات تسهل عمله أو تقيه من المخاطر الصحية المحتملة أثناء العمل، فبخفة فائقة يبدأ بالتقاط بعض القناني البلاستيكية من الحاوية الأولى، بينما يكتفي بإطلالة خفيفة على الحاويتين الأخريين، ليعود إلى دفع عربته متجها صوب شوارع الحي الصناعي وهو يأمل في أن يعثر فيها على شيء ثمين أغفله رجال النظافة الذين أصبحوا يشكلون منافسا لهم في هذا الميدان حسب "خالد"، إذ يضيف أن أثمن ما يبيعه يعثر عليه غالبا في حاويات الحي الصناعي كالحديد والبلاستيك وأحيانا بعض قطع غيار السيارات التي ترمى خطأ، ولما وصل إلى حاويات الحي الصناعي، التي وضعت في ساحة أمام السوق البلدي بالمنطقة، ترك خالد عربته على بعد أمتار من الحاويات المتراكمة في الساحة، وبدأ البحث في الحاويات واحدة تلوى الأخرى، وكل شيء قابل للتدوير يلتقطه يقوم برميه إلى جانب عربته. وقد كانت غنيمته اليوم عبارة عن بعض الأسلاك النحاسية والكثير من القناني البلاستيكية والورق المقوى، والتي قام بفرزها في المكان ذاته بوضعها في أكياس كبيرة كانت معلقة في عربته، إذ كان كل كيس مخصصا لنوع معين من النفايات القابلة للتدوير.

إلا أن جولة خالد الصباحية لا تتوقف عند هذا الحد، بل يستمر في البحث عن كل شيء قابل للبيع في الأزقة والحاويات إلى حوالي الثالثة زوالا، آنذاك يتجه صوب سوق المتلاشيات الذي يبيع فيه ما التقطته يداه طيلة النهار، وحسب خالد فإن ما يجنيه في اليوم الواحد هو ما بين أربعين ومائة وعشرين درهما، ويضيف أنه لو توفرت له إمكانات مناسبة كدراجة نارية ثلاثية العجلات، فإنه سيتمكن من زيادة دخله اليومي، حيث إن الدراجة النارية ستمكنه من البحث في أحياء كثيرة لا يستطيع الوصول إليها الآن مشيا على الأقدام، كما أنه سيستطيع أن يجمع بها قدرا أكبر من النفايات القابلة للتدوير بجهد ووقت أقل.

نظرة دونية
"وهذاك غي شمكار (هذا مجرد متسكع)" يقول خالد إن هذه من بين العبارات التي يوصف بها أحيانا من قبل الناس وهو يبحث في حاويات القمامة، بحيث يعتبر أن نظرة المجتمع الدونية إلى "الميخالة"، فبالرغم من الدور الهام الذي نقوم به، الذي يتمثل في تخليص الشوارع من نسبة مهمة من النفايات، إضافة إلى توفير المادة الأولية للعديد من الشركات التي ترتبط استمراريتها بعملنا، فإن المجتمع ينظر إلينا بدونية واحتقار. نواجه أيضا خطر الإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة أو التعفنات، نظرا للظروف التي يشتغلون فيها، والتي تنعدم فيها أبسط شروط السلامة الصحية.

وتجدر الإشارة إلى أن قطاع بيع النفايات القابلة لإعادة التدوير أصبح ينمو بشكل كبير يوما بعد يوم، بل أضحى مصدر عيش العديد من الأسر المغربية، ما يفرض تأهيل هذا القطاع وتوفير الظروف الملائمة للمشتغلين فيه، خاصة جامعي المتلاشيات باعتبارهم القاعدة الأساسية لهذا القطاع، والفئة الأقل استفادة منه.
84F2C990-3BEA-45A9-B577-ECAA98AA1D5E
عبد العالي أورشيح

طالب باحث في سلك الماجستير تخصص الصحافة المكتوبة بالمغرب.