14 يناير الذاكرة الحية تحفظ الثورة

14 يناير الذاكرة الحية تحفظ الثورة

15 يناير 2017
+ الخط -

رغم الهزات والخيبات والإخفاقات التي منيت بها الثورة التونسية، وحتى إن كان لا يزال نظام زين العابدين بن علي قابعاً في كل ركن من الدولة، سنوات بعد إجبار رأسه على الفرار من البلاد. ورغم أن بعض عناصر الدولة البوليسية لا تزال تحافظ على كثير من عاداتها السابقة.


ورغم أن الاقتصاد لا يزال مهدداً بالانهيار، والاحتقان الاجتماعي يزداد حدة. ورغم الدم المراق والألم المستبطن في نفوس أمهات شهداء الثورة وضحايا الإرهاب، غير أن المشهد يحتفظ بجانب مشرق للتجربة التي أبهرت التونسيين قبل أن تبهر العالم، ولا يمكن لهم إلا النظر إلى إنجازهم بكثير من الإكبار. وعلى قتامة الوضع، فإن فئات واسعة لا تزال تقدم الكثير من أجل أن تتم تونس اختبار الثورة بنجاح وتؤمن لشبابها مستقبلاً أفضل.


لا يعوّل شباب الثورة التونسية كثيراً على الأجيال التي سبقتهم في أن تستكمل المسيرة نحو تونس ديمقراطية آمنة تحفظ كرامة أبنائها، حتى وإن كان في صفوفهم من صنع فيهم الوعي وأعدهم ليوم مشهود كهذا. بل يعولون على ذواتهم ذاكرة حية تحفظ الثورة وترافق سيرورتها التاريخية. تعيدها إلى الأذهان كلما أجبر التناحر السياسي عموم التونسيين على لعن التجربة أو النظر إليها بازدراء، وكلما قفزت أشباح الماضي مجدداً لتتصدر المشهد وتصالح التونسيين بلا مقابل ولا حساب.


و بلا مواربة، نجحت الثورة التونسية على أكثر من صعيد، وأنجزت كثيراً مما وعدت. نجحت في البداية في الحفاظ على سلميتها ولم تسقط في فخ التقاتل والتناحر أو الحرب الأهلية واحتكمت في أكثر من ظرف حارق (اغتيالات سياسية، أزمات سياسية) للعقلاء ولصناديق الاقتراع ولوعي التونسيين. وإن أخفقت في قلب نظام بن علي رأسا وأطرافا، فإنها نجحت في خلق ميكانيزمات ديمقراطية جديدة (أحزاب سياسية، منظمات حقوقية، إعلام حر وتعددي على علله، مجتمع مدني يقظ، وشارع حي) لمقارعة بقاياه أو الراغبين في تبني ممارساته والنسج على منواله.


ولا يزال الشارع التونسي صاحب الكلمة الأعلى في أكثر من موقف وفي كل قضية تجذبه نحو الماضي، وحراك "مانيش مسامح" كان أبرز مثال على ذلك.


وتونس اليوم، بعد ست سنوات على قيام الثورة، لا تشبه كثيرا ما كانت عليه قبل "ثورة الحرية والكرامة"، وهي التسمية التي يحبذها شبابها، رافضين التسمية التي أسقطت عليهم "ثورة الياسمين"، فهي قطعا لم تكن بلون الياسمين ولا برائحته. بل كانت بلون دماء ما يقارب الأربعمائة شهيد ودموع أمهاتهم، ورائحة خراطيش الرش والرصاص والعجلات المطاطية، خصوصاً رائحة احتراق جسد البوعزيزي أمام الدولة القمعية التي لم تحفظ كرامته ولا حقه في رغيف يؤمنه بعرق جبينه.


ويظل البوعزيزي رمزاً لهذه الثورة الدامية والمشرقة في آن واحد، رغم المساعي الحثيثة لرسم صورة جديدة له ولعائلته ووصمها بالانتهازية والتمعش من الثورة. ولا يزال شهداء الثورة الذين ضاع حق الكثيرين منهم في أروقة المحاكم العسكرية وتم وصمهم أيضاً بعصابات النهب والسرقة، محرار كثير من الحقوقيين وشباب الثورة الذين لم يتخلفوا يوما عن المحاكمات في قضايا شهداء.


وجاءت جلسات الاستماع العلنية لضحايا الانتهاكات والاستبداد التي تنظمها هيئة الحقيقة والكرامة في إطار مسار العدالة الانتقالية، لتوقد من جديد شعلة الذاكرة، وترمي بالدولة القمعية بكامل أجهزتها حزبا واحدا وقيادات وأذرعا أمنية، إلى المكان الذي تستحقه بعد أن خالت أن صفقات التبييض والتلميع السياسية والإعلامية قد مسحت سواد سنوات الاستبداد.


ولا تحتاج تونس اليوم لأكثر مما تمتلك لتبني ديمقراطية حقيقية وتنقي نفسها من شوائب الماضي ومن تتار العصر الذين اتخذوا من قممها مخابئ لهم. ولا يمكن للتونسيين إلا أن يكونوا فخورين بما أنجزوا وحذرين في آن واحد من أي انحراف قد يهدم ما بنوا.
897E3D36-9BB4-45C4-95A1-ECFABF6FE4A8
أمينة الزياني

صحافية تونسية