تفاؤلٌ بوعي قادم

تفاؤلٌ بوعي قادم

18 ديسمبر 2016
+ الخط -



في البلدان العربيَّة التي اندلَعت فيها حركات التغيير السياسيّ ــ الاجتماعيّ الجذريَّة، أو ما يسمَّى بـ "الربيع العربي"، تشكَّلت طبقةٌ من الوعي السياسي عند فئةٍ لا يُستهان بها من الشباب والشابّات، وخصوصاً في سورية، حيث المصيرُ الأكثر مأساوية، والتحوّل الأكثر تعذّراً ودمويَّة.

هذا الوعي السياسي الدقيق، هو تجزيئي غير شمولي، وعلى درجةٍ معقولة من التعقيد والتركيب، وهو بالضدّ تماماً من الوعي المركزي المتعالي الذي كان سائداً، على العموم، في ثقافة ما قبل "الربيع العربي".

تطوَّر وعيّ نقديّ تشاركيّ فيه إحساسٌ عال بالعدالة، وينطلق فقط من العدالة، ويربط السياسية بالأخلاق بشكل معقول. يقدر هذا الوعي على التمييز بين الأوضاع الاجتماعيَّة العيانيَّة للفئات الاجتماعيَّة المتضررة والمسحوقة من السلطات السياسيَّة في مكانٍ وزمانٍ ما، والأيديولوجيات التي تتصدّر المشهد، وتسييس هذه المطالب الاجتماعيَّة.

وأعني بالضبط، فئة الشباب والشابّات التي تدرك الفرق بين المطالب المحقّة في التظاهرات في البحرين، والإحساس بالغبن والظلم الممارس على المواطنين العرب ذوي الديانة الشيعيَّة. وبنفس الوقت، التنبُّه لخطورة المشروع الإيراني التفكيكي الذي يهشم المجتمعات العربيَّة. أو الخصومة السياسيَّة مع تيارات الإسلام السياسي في مصر وتركيا وتونس، مع التفريق بين الإسلام السياسي والإسلام الاجتماعي، أي الإسلام كثقافة وطقوس، والإسلام كسلطة وهيمنة، ومحاولة انتزاع استحقاقات اعتراف بالعمليَّة الديمقراطيّة من الإسلاميين، مع الوقوفِ بشكلٍ حازم ضد الانقلابات العسكريَّة على أيّ عمليَّة شرعيَّة ديمقراطيّة، كما حصل في مصر وتركيا.

حتَّى اتجاه القضيّة الفلسطينية تكوّن وعي متطور أكثر، أكثر عدالة وأكثر إنسانيَّة، وأقل أدلجة، وعي خارج عن السرديات التافهة للنظام الرسمي العربي. وصار الشعب الفلسطيني يتقدّم في أهميّته على القضيّة الفلسطينية، بعد أن كان العكس حاصلاً.

ناهيك عن التفريق بين الطائفيّة في التفكير، أي الطائفية كأيديولوجيا في الفهم والتحليل، والطائفية كأداة حكم وهيمنة، أي كنظام سياسي. وانهيار ادّعاءات "الحداثة العربية" وأقاويل عدد لا بأس به من "العلمانيين" العرب، وغير ذلك الكثير.

هذه المنطقة في التفكير ضيّقة، أعرف ذلك، ولكنها موجودة، وهو أمرٌ يدعو لبعض التفاؤل في هذه المهازل التي تحصل. وأخيرًا، أقلّ الأمكنة عدالة، فيها أكثر الناس قدرة على تحسُّس العدالة.
دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية:

مدونات أخرى